ملتقيات العربي

ندوة الغرب في عيون عربية

الثقافة العربية وآفاق النشر الإلكتروني (المقدمة)

تقديم 
لغة أخرى... لزمن مختلف
بقلم: الدكتور سليمان العسكري

         مع بداية اللحظات الأولى للعام 2002، ينطلق مشروع عربي عملاق جديد هو موقع مجلة العربي على الانترنت، وهو مشروع استغرق الاعداد له وقتا طويلا، وجاءت فكرته انطلاقا من ان مجلة ثقافية ارتبط بها هذا العدد الكبير من القراء العرب فى مختلف البلاد العربية وبلدان المهجر ، وتدخل مع انتهاء العام الحالي عامها الرابع والاربعين، قضتها جميعا في خدمة الثقافة والابداع العربي في جميع مجالاته، وأضحت بشهادة الآخرين - وليس شهادتنا - مؤسسة متجولة من الدرجة الرفيعة للفكر والأدب والفن والتراث العربي، لابديل لها من التعامل مع أحدث التقنيات الحديثة، واستغلال هذه الوسيلة المتاحة المتمثلة فى شبكة الانترنت، للوصول الى قرائها في مختلف اصقاع الدنيا، والسعي لإقامة صلات وثيقة مع المواطن العربي اينما كانت اقامته، وكذلك كل من تاق الى معرفة عن ثقافة العرب وتاريخهم وانماط حياتهم.

          ففي ظل زمن يتسارع، وتتغير وتيرته كل يوم، بل كل ساعة، لم يعد من الممكن ان نظل بعيدين عن ايقاع يبدو عالي الصوت، كعالم الانترنت، الذي يقتحم فى جرأة، وفى ثقة ايضا، تفاصيل الايام ويتقدم بشكل مذهل محركا بقوة لرتابتها.

           وسواء أرضينا ام لم نرض، فان هذا الزمن الذي نعيش وقائعه، هو زمن ذلك الاخطبوط العالمي ذي الفوائد التى لاحدود لها، والذي استطاع خلال سنوات قليلة ان يمد شبكته العنكبوتية الى ارجاء الكون، وان يربط بين انحاء العالم على تباعد اركانه بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ البشرية.

           من هنا كان لابد من الوجود في قلب مثل هذا الحدث العالمي الذي لم يكن أحد يعرف عنه الا النذر اليسير، قبل عدة سنوات، فهذا الاخطبوط ظل استخدامه محصورا فى الاغراض العسكرية وبشكل خاص بين وحدات الجيش الامريكي قبل ان يتوجه للاستخدامات المدنية قبل اقل من عشر سنوات، ليتحول خلال هذه الفترة القليلة الى رقم أساسي لا يمكن تجاهله.

           واستجابة للتحدي الذي يطرحه زمن الانترنت وما انتجه من تقنيات النشر الالكتروني، قامت مجلة العربى بتنظيم ندوة خلال الفترة من 21- 22 ابريل 2001 حملت عنوان > الثقافة العربية وآفاق النشر الالكتروني، شارك فيها عدد كبير من الخبراء والمتخصصين والمهتمين من بلدان الوطن العربي والعرب المقيمين في بلاد المهجر.

           ولعل ما قدمته تلك الندوة من أفكار حملتها الدراسات والبحوث التى شهدتها جلساتها، وما أعقبها من مناقشاث ثرية، يمكن ان يشكل اضافة مهمة لهذا المجال الذي لم يعد بامكاننا غض الطرف عنه.

           فقد تحول الانترنت الآن من وسيلة لتوفير المعلومة لطالبها وقت الحاجة فقط، الى اقتحام الميدان ليصبح منافسا قويا لجميع وسائل الإعلام، ومن هذه الوسائل التي تواجه حاليا مبارزة حادة الكتاب حيث يتنافس بشكل غير مسبوق الناشرون الامريكيون الذين تجذبهم التكنولوجيا الى استثمار مخيلاتهم لرسم الشكل الآلي لكتاب المستقبل، الذي لم يعد يرتبط بأي ملامح مع عصر جوتنبرج - مخترع الطباعة - اللهم الا بالكلمة وجاذبيتها الهائلة.

           الخطوة الأولى الكبرى بدأت بنشر رواية الكاتب المعروف ستيفن كينج في شهر مارس الماضي على شبكة الانترنت فقط، وقد بيع من هذا الكتاب ما يزيد عن ستمائة ألف نسخة فى أقل من شهر واحد، وهو ما اعتبره المسؤول عن برامج النشر الألكتروني فى مجموعة مايكروسوفت >أشبه باختراع السيارة فمحطات البنزين - على حد قوله - لم تفتح أبوابها بعد والطرقات لم تشق. لكن لدينا سيارة تمشي، والرحلة يمكن ان تبدأ.

           لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فمجموعة بيل جيتس صاحب مايكروسوفت قررت المضي قدما في مشروع أطلقت في اطاره برنامج >رايدر أو القارىء وهو يتيح تلقيم الكتاب وقراءته مباشرة على الكمبيوتر الخاص، وقدت التقطت إحدى دور النشر الكبرى فى الولايات المتحدة هذه الفكرة وبدأت هى الأخرى قبل أسابيع قليلة نشر عدد من الكتب الخاصة كدليل السفر، بالاضافة الى سلسلة الكتب الشهيرة >داميز لكتب المعلومات العامة، ويتم عن طريق هذا الاسلوب الجديد بيع الكتب على الانترنت بطريقة >قطع الغيار فصلا فصلا.

           هكذا بات متاحا الان لأي فرد الحصول على كتاب أو ملف خاص به يضم الفصول التى يريد قراءاتها والمعلومات التي يهمه معرفتها، وهو ما دفع بالتساؤلات المتعلقة بمصير الكتب الورقية الى الواجهة من جديد، فهل في ظل هذه التطورات التقنية المتلاحقة، تلك التي اختصرت أزمنة مذهلة من المعرفة، سيختفي الكتاب المطبوع حقا؟، وهل ستنتهي المكتبات وأرففها التي اعتدنا تناول حاجتنا من الكتب من فوقها؟، فالسيناريو المطروح والذي يتحدث بثقة شديدة عنه أصحاب الشركات التكنولوجية المهتمة بالمعلوماتية والنشر الالكتروني، يشير الى أن الجيل الحالي من القراء سوف يترك مكانه خلال أقل من عشرين سنة لجيل الكتاب الالكتروني، وهو ما يعني ان الكتاب الرقمي الذى ظل فترة طويلة مصنفا في خانة العلوم الخيالية، هو في طريقه الان الى الانطلاق بسرعة.

           ولعل هذا ما أكدته احدى الشركات الفرنسية الخاصة العاملة فى مجال الالكترونيات والمعلوماتية، حين اعلنت عن اطلاق اول كتاب الكتروني فرنسي بل وأوربي، اعتبارا من 22 يناير 2002، ويشبه هذا الكتاب لوح صغير بطول 21 سنتيمتر وعرض 16، اما وزنه فيصل الى 900 جرام، ويستطيع هذا الكتاب الالكتروني استيعاب أكثر من 15 ألف صفحة، أي ما يوازي نحو ثلاثين كتابا تقريبا.

           وتنوي تلك الشركة وضع اكثر من الف عنوان على موقعها ليصبح بإمكان اي مهتم انزالها على كتابه الالكتروني للتمتع بقراءتها ساعة يريد وفى أي وقت أو مكان يشاء، ويراهن المتحمسون لهذا النوع الجديد من الكتب على ان اقبالا واسعا سيتم على تلك التجربة المذهلة من مختلف المراحل العمرية، خصوصا الاشخاص الذين يفوق عمرهم الاربعين والذين سيصبح بإمكانهم التحكم عند استخدام هذا النوع من الكتب بحجم الأحرف.

          ولكن على الرغم من هذه الخطوات الهائلة فى مجال النشر الالكتروني، فان الأمر لا يخلو من سلبيات، بدأت تظهر فى شهر اكتوبر 2001، وتحديدا خلال معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، فالكتب التي تحتوي على اعمال ادبية والتى لا يمكن قراءتها الا باستخدام أجهزة عرض الكترونية، لم تحقق التنبؤات التي روج لها صانعوها، إذ أن القراء عزفوا فى معظمهم عنها بسبب تكلفتها العالية، وقال معظمهم عندما سأل عن سبب عدم الحماس على شراء الكتاب الالكتروني، ان المفترض هو ان يكون مثل هذا الكتاب أرخص من الطبعات الورقية، فالناشر في هذه الحالة ليس مضطرا الى دفع ثمن ورق وحبر وتخزين، في الوقت نفسه فإن العارضين للكتب باتوا مقتنعين بأن نجاح مثل هذه النوعية من الكتب، يمكن ان تقتصر على مجال النشر الاكاديمي أكثر من الرواية أو النشر التجاري.

           ولعل هذا بالتحديد ما دفع بالمواجهة في دول اوربا إلى اقصاها، الأمر الذي استدعى معه تدخل المفوضية الأوربية، للفصل في الخلاف الناشب بين بعض المكتبات التى تقدم عروضها على شبكة الانترنت، وبين الناشرين الذين يتمسكون بتطبيق قانون >السعر الثابت للكتاب الذي تم اقراره في شهر فبراير 2001، وتطبقه حاليا عشر من دول الاتحاد الاوربي في الوقت الراهن، فالمكتبات التي تقع في دول أوربية خارج نطاق الدول الموقعة على الاتفاق، تقوم بتقديم خصم يصل الى 20 في المئة على الأسعار نفسها المعتمدة في دول الاتفاق العشر، الامر الذي يعني لجوء المهتمين الى المنفذ الأكثر رخصا للحصول على الكتاب، ولعل هذا ما دفع بذلك الخلاف الى محكمة العدل الاوربية في لوكسمبورج، ما أثار التوقعات بامكان استنباط اجتهادات قانونية، قد تستبعد تجارة شبكة الانترنت عبر الحدود من نظام تحديد الاسعار.

          فهل ستكون قضية الاسعار هي القشة التي ستجهض هذه التجربة الكبيرة والمثيرة؟ أم أن ما شهده أكبر المعارض العالمية للكتاب >فرانكفورت للكتاب في العام الماضي دافعا لمراجعة الأسعار الخيالية منعا لهروب القارىء من خوض غمار التجربة والتجاوب معها من هنا جاءت فكرة اصدار عدد خاص من كتاب العربي، توثيقا لهذه الندوة المهمة التي نظمتها مجلة العربي، متضمنا كافة ما شهدته تلك الندوة الرائدة من دراسات وأطروحات وتعقيبات، ولعلنا بذلك نساهم بوضع لبنة في صرح هذا المشروع الكوني العملاق، بعد أن أصبح من الضروري لنا كعرب اقتحام ميدانه بجرأة وثقة، والمساهمة الفاعلة فيه.