ملتقيات العربي

ندوة مجلة العربي ولغتها العربية نصف قرن من المعرفة والاستنارة بالاشتراك مع اليونسكو

المجلات التاريخية ودورها في الوعي القومي

المجلات التاريخية في العالم العربي

د. قاسم عبده قاسم

         بدأت الدراسات التاريخية في الوطن العربي بدايتها الحديثة مع إنشاء الجامعة المصرية وكلية الآداب التي كان اسم التاريخ فيها من أول أقسام الكلية، ولأن الأساتذة الأجانب كانوا في الأغلب الأعم هم الذين ينظمون الدراسة في هذه الكلية، وفي قسم التاريخ على وجه الخصوص، فإنهم نقلوا التقسيم الأوربي للدراسة التاريخية بكل مشكلاته التي تعتبر من "أمراض النشأة"، والتي ظلت ملازمة للدراسات التاريخية في مصر حتى الآن

         مع "تعريب" الدراسات التاريخية، أي محاولة قراءة التاريخ من وجهة نظر عربية ومصرية، ظهر عدد من المؤرخين العرب الذين كان طموحهم يدفعهم إلى محاولة بناء "مدرسة تاريخية" مستقلة عن المدارس التاريخية، وتحاول في الوقت نفسه تصحيح الأخطاء والخطايا، التي منحت عن اتباع خطى الأوربيين والأخذ بمقاييسهم وعدم فهم انحيازاتهم الناجحة في هذا السبيل. من ناحية أخرى، أصدرت الجمعية المصرية للدراسات التاريخية مجلة خاصة بها لعبت دورًا مهمًا في تحقيق أهداف الجمعية، كما أنها أصبحت مجالاً رحبًا استوعبت الدراسات التاريخية الجديدة، التي قام بها الباحثون العرب، ولعبت دورًا مهمًا في تطوير البحث التاريخي طوال النصف الأول من القرن العشرين، ومازالت تقوم بهذا الدور حتى الآن

         كان طبيعيًآ أن تصدر مجلات "تاريخية" أخرى في مناطق متفرقة من العالم العربي، لكنها - مع الأسف - كانت في معظمها نسخًا مكررة من "المجلة المصرية" التي تصدرها الجمعية المصرية للدراسات التاريخية، كما أن بعض أقسام التاريخ أصدرت مجلات تاريخية في مصر وغيرها من بلاد العالم العربي، جاءت تكرارًا لهذه المجلة العريقة، كما أن اتحاد المؤرخين العرب في بغداد، ثم في القاهرة، أصدر "مجلة تاريخية" مشابهة

         مما يلفت النظر في هذه "المجلات التاريخية" جميعًا أنها أصبحت تكرر نفسها من حيث الشكل والمحتوى، فكانت مجلات تنشر بحوثًا ومقالات في "عموم" التاريخ، وكلها تقريبًا. بما في ذلك مجلة الجمعية التاريخية المصرية، أصبحت مجالاً لنشر بحوث "الترقية" للأساتذة والأساتذة المساعدين. وكلها "غير متخصصة" في فرع أو غيره من فروع الدراسات التاريخية العديدة الآن، وكلها تناقش قضايا الفكر التاريخي، وإنما بقيت على الشكل الذي صدرت به أولى المجلات التاريخية

         وإذا ما استثنينا الجهد الرائع - والفردي - لوجود جمعية متخصصة في الدراسات العثمانية والدراسات الموريسكية بمثابرة مدهشة من الدكتور عبدالجليل التميمي، وجدنا المجلات "التاريخية" العربية كلها في حاجة إلى إعادة نظر لدورها وهدفها

         نحن بحاجة إلى مجلات "تاريخية" متخصصة، في التاريخ الاقتصادي للوطن العربي مثلاً، أو في التاريخ الثقافي أو في تاريخ المرأة العربية أو في تاريخ الحروب الصليبية أو في التاريخ الاجتماعي أو العسكري، وما إلى ذلك

         ونحن أيضًا في حاجة إلى مجلات "تاريخية" متخصصة في الفكر التاريخي، ومشكلات البحث التاريخي ومتابعة الدراسة التاريخية في المدارس والجامعات، كما أننا في حاجة إلى مجلات لنشر الوعي التاريخي من خلال "التاريخ الشعبي" أي الدراسات والبحوث التي تخاطب عامة الناس والمتعلمين منهم خاصة بأسلوب سهل سلس لتعريفهم بحقائق التاريخ دونما تعقيد أو تعالي القرّاء

         إن "المجلات التاريخية" كثيرة حقًا في الوطن العربي، لكنها كثرة التكرار وليست كثرة التنوع