ملتقيات العربي

ندوة مجلة العربي ولغتها العربية نصف قرن من المعرفة والاستنارة بالاشتراك مع اليونسكو

المجلات النسائية للمشاركة في حركة المجتمع العربي

دور المجلات النسائية في دفع مسيرة المرأة

علوية صبح

         الحقيقة إن هذا العصر أفرز ثقافات باتت مرتبطة أكثر فأكثر بالاستهلاك، ووجدت في الصحافة النسائية أرضاً خصبة لها ومشاريع تسويقية بامتياز. كما بات إعلامنا ملكاً لمجموعات اقتصادية تعمل في مجال الإعلام توجهه وتتحكّم به، وإلى جانب المحطات الفضائية ظهر العديد من المجلات. كما أدى التسويق الناجح لبعض الشركات الإعلامية الأخرى إلى إغراق الأسواق بكمّ كبير من المجلات التي تقلّد بعضها بعضاً، كذلك تحوّل إغراق المجلات بالمواضيع الاستهلاكية وسيلة لكسب الإعلانات وتحقيق الأرباح الضامنة للاستمرار. كل هذا أثّر على صورة المرأة في هذه المجلات، وبالتالي على نوعية الثقافة التي تقدّم لها.

         وإزاء حقيقة أن الصحافة النسائية باتت عملاً تجارياً كسائر الأعمال، فإن غالبية المادة الإعلامية في هذه المجلات باتت تتنافس في نشر وشيوع الثقافة الإعلانية.

         إن نظرة عامة على مجمل المجلات النسائية تشير بوضوح إلى أن الكثير من هذه المجلات لا يهتمّ بالقضايا الجوهرية في دعم حقوق المرأة في المنطقة العربية، بقدر ما يهتم بالطباعة الأنيقة والإخراج الفني وبلاغة الصورة الأنثوية وذلك لغرض التسويق. وبالتالي فإن المشكلة تكمن في المضمون الذي لا يرقى إلى ما يحدث من تحوّل فعلي داخل المجتمع.

         غالباً ما تحتل أغلفة المجلات النسائية عارضات أزياء أو فنانات أو مذيعات أو شهيرات في عالم الفضائيات وأهل الفن والمجتمع. ولعبة الإيهام تبدأ من صورة الغلاف هذه. وفي عصر الصورة التي طغت على هذه المجلات على حساب المواضيع التي تطرح مشاكل المرأة وقضاياها الحقيقية، فإن الثقافة البصرية التي تقدّم للمرأة تبدو مصنوعة لأهداف تسويقية. كما وتجعل هذه الثقافة القارئة في حالة تماثل واستلاب مع الموديل أو النموذج الذي تقدّمه المجلات، ما يجعل الغالبية من النساء أسيرات الموديل الاستهلاكي المعمّم، لاغيات خصوصيات حتى شكلهنّ وهويتهنّ.

         وأصبحت المجلات التي تجذب القرّاء هي المجلات التي تحتشد بصور جميلات أكثر من سواها، فكثرت الطرائق التي من صنع الخيال والفانتازم. ومن هنا فإن المجلات النسائية تحدّد معايير الجمال في الواقع الحقيقي للإناث، ومن ثم فمن اللافت أن تتحول غالبية النساء إلى نساء متماثلات مع الصورة المعلنة. فالصور المنشورة هي الصور التي تطمح القارئة أن تكونها، أو تحاول ذلك عبر اللوك والتسريحة من باب التماهي والتماثل بالموضة والمعاصرة.

         وإزاء هدف التسويق هذا، فإن ثمة اهتماماً واسعاً بموضوعات التجميل وفنون الماكياج والتي تصل إلى موضوعات الجراحات التجميلية الباهظة الثمن، وكذلك هناك اهتمام واسع أيضاً بموضوعات الأزياء والموضة كمواد رئيسية في تبويب المجلات النسائية.

         وهذا تكريس لصورة الجمال الشكلي على حساب الوعي الاجتماعي والثقافي. كما لو أن القضية الأولى بالنسبة إلى المرأة العربية هي تنمية اهتمامها بأنوثتها وإغفال قدراتها الأخرى كإنسانة وكمواطنة.

         والحقيقة أن صورة المرأة في المجلات النسائية الآن تعكس متغيرات في واقع المرأة ودورها. فالمرأة الآن في مواقع القرار أكثر.. وهي ليست مثلاً فريسة للضعف إذا كانت مطلّقة أو بلا رجل. ودورها لم يعد ينحصر بالإنجاب، بل ثمة تمرد على الأدوار التقليدية في كثير من الأحيان، وهي أكثر انخراطاً في القضايا العامة، وكي لا نظلم الصحافة النسائية بالمطلق ثمة إيجابيات لا بد من الالتفات إليها لأن الصورة ليست معتمة بالكامل:

         ـ بعض المجلات تعلن انحيازها للحريات الفردية للمرأة المعاصرة، فيما أخرى ترسخ مفاهيم التبعية. هذا الخطاب يتباين بين مجلة وأخرى تبعاً لواقع وتقاليد كل بلد وتبعاً للمؤسسة وعامل الرقابة.

         ـ هناك إضاءة على أدوار مختلفة للمرأة غير محصورة بأدوارها التقليدية، وإن كانت هذه الإضاءة.

         ـ لم يعد التركيز فقط على فترات خصوبة المرأة مع وإهمالها بعد تجاوز هذه المرحلة، و لم تعد قيمتها الإنسانية والأنثوية ملغاة بعد مرحلة الإنجاب.

         ـ ثمة تحقيقات مثيرة حول قضايا المرأة أكثر جرأة وكشفاً، من مثل موضوعات الطلاق أو العنف ضد النساء أو التحرّشات الجنسية والخيانة الزوجية.

         ـ هناك حيّز أكبر للوعي الصحي والجنسي والتربوي والأسري تقدمه المجلات النسائية بأقلام الخبراء وأهل الاختصاص.

         ـ هناك تزايد لعدد الأقلام النسائية والبعض منها يعد بالكثير. كما تجدر الإشارة إلى أن المجلات النسائية ساهمت في زيادة حرية التعبير، والمسافة بين النساء في العالم العربي من خلال المجلات صارت أكثر قرباً.

وفي كل هذه الشروط والعوامل يمكن القول إن صورة المرأة في المجلات عموماً هي:

         ـ صورة المرأة الجسد: المستلبة بهدف التسويق التجاري الذي يستغل الجنس والإغراء لأهداف تجارية.

         ـ صورة المرأة التقليدية التي تخشى فقدان جمالها أو تقدمها في السنّ وفقدان دورها كمحققة لرغبات الرجل الذي قد تفقده إذا فقدت جمالها وشبابها.

         إن المجلات النسائية المعاصرة لا تقوم في النهاية بدورها المطلوب في دفع سيرة المرأة نحو التحرّر الذهني من أسر الحريم، على رغم بعض الإيجابيات.

         وإزاء ذلك مطلوب استراتيجيات تساعد على تنمية وعي المرأة لذاتها ومشكلاتها بكل جرأة وحقيقية وفتح صفحاتها، أو على الأقل بعض منها للدراسات أو الموضوعات لتحريرها من سجن صورة الأنثى السلبية والمتلقية وصورة "الحرمة" التي يُحرّم عليها خطاب لغة العقل ليبقى دورها مقصياً وملغى. كما المطلوب التركيز على النساء المضيئات في تاريخنا وفي حاضرنا والتركيز على الثقافة، التي هي غائبة في المجلات النسائية أو حاضرة من باب رفع العتب. والمطلوب مناقشة قضاياها الأسرية والقانونية والاجتماعية والزوجية بجرأة، وواقعها في قوانين الأحوال الشخصية وفي المجتمع بما يخدم وعيها وحقوقها، والتركيز على تنمية قدراتها، وأن تعكس على الأقل تقدمها الحاصل في المجتمع، ورسم استراتيجيات إعلامية تصحح الصورة السلبية بما يخدم وعيها وقضاياها المعاصرة وهويتها، والعلو بالمهنة إلى ما يليق بمكانتها الإنسانية كشريك في بناء المجتمع والأسر والأوطان والمستقبل.