ملتقيات العربي

ندوة الثقافة العلمية واستشراف المستقبل العربي

كلمة معالي الأستاذ محمد أبوالحسن وزير الإعلام

وزير الإعلام يفتتح ندوة "العربي"
في الرابع من ديسمبر
يرعاها سمو رئيس مجلس الوزراء وتدور حول
(الحوار المشارقي المغاربي)
بحضور حشد من المفكرين والباحثين

أيها الأخوات والإخوة الكرام....
الإخوة الوزراء.....
أصحاب السعادة السفراء وأعضاء السلك الدبلوماسي....
ضيوف الندوة الكرام....

         أرحب بكم جميعًا في دولة الكويت. حللتم بين أهليكم وإخوانكم, ونزلتم على قلوبنا برداً وسلامًا

         إنه ليسرني في بداية كلمتي هذه أن أنقل لكم تحيات سمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح رئيس مجلس الوزراء, راعي هذا الحفل, وتلك الندوة الثقافية التي تجمع بين مشرق العالم العربي ومغربه, متمنيا لكم جميعا ندوة ناجحة وإقامة طيبة.

         كما نتمنى أيضًا أن يكون حواركم خلاقاً وصريحًا وحراً. وأقول لكم إنكم اتخذتم المكان الملائم لهذا الأمر. فالكويت ذلك الوطن الصغير الراقد على حافة الخليج العربي, قد جمع داخل حدوده العديد من النماذج البشرية التي تمثل كل ما في عالمنا العربي مشرقًا ومغربًا. كما أن كل من يعيش على أرضه لا يعيش منعزلا ولكنه يدخل في نوع من التفاعل الحقيقي, يشارك فيه المواطنون والمقيمون, وهو تفاعل لايزال متواصلاً منذ أن بدأت الكويت نهضتها الحديثة.

         فالعمران - ودعوني أستعير هذا التعبير من شيخنا الجليل ابن خلدون - الذي تشهده الأرض الكويتية الطيبة من منشآت وطرق وجسور ومؤسسات شاهقة, يوازيه عمران آخر في نفوس البشر على اختلاف مشاربهم, فقد وجدالجميع على هذه الأرض مرفأ للأمان وواحة للسكينة, والأهم من ذلك أنهم أوجدوا فيما بينهم نوعًا من الحوار الراقي والقدرة الإيجابية على التعايش.

         ولا عجب في ذلك, فالكويت عاشت ـ وما زالت تعيش ـ في ظل تجربة من الديمقراطية نابعة من أرضها, وهي تؤمن بأن الحقيقة رغم وحدتها, إلا أن الآراء حولها متعددة, وأن الرأي الواحد لا يستقيم إلا إذا قابله رأي آخر, وقد عاش مجتمعها تحت ظروف الشظف قديمًا متكافلاً متراحمًا, وتعلم أهلها عبر سنوات الجفاف الطويلة, ومن رحلات البحر الصعبة, ومن فهم عميق للطبيعة البشرية أهمية التحاور والقدرة على فهم الآخر, والانفتاح عليه.

         من هنا تنبع أهمية ندوتكم, فهي تقيم حوارًا على أرض الحوار, وتمد جسورًا من التواصل تمتد من حافة المشرق العربي إلى أقصى المغرب العربي, وتجمع نفوسًا ووجوهًا عزيزة على القلب من كتاب أمتنا العربية ومفكريها وباحثيها, يتشاركون جميعا في أنهم يحملون أمانة الكلمة, ويساهمون في إثراء الثقافة العربية مع الحرص على تنوعها.

         وأود أيها الإخوة, أن أبتعد قليلا عن حديث الثقافة لألقي شيئًا من الضوء على بعض مواقف الكويت المبدئية, فكما تعلمون جميعا نحن نعيش أيامًا صعبة, فالأهواء السياسية تعصف بعالمنا العربي, كما لم يحدث من قبل, والأحداث الجسام التي نمر بها تحمل من نذر السوء أكثر مما تحمل من بوادر الأمل, وليس أمامنا من طوق نجاة نتمسك به غير أن نتذكر أننا أمة واحدة - مشرقًا ومغربًا - إن نجونا ننجُ جميعًا, وإن تخاذلنا أصابتنا الخسارة. علينا ان نفهم حقيقة العصر من حولنا, فنحن نعيش في عالم يحكمه الكبار, ولابد أن نتسامق حتى نصبح كبارًا مثلهم في عالم تسيره القوة, والقوة هنا لا تتأتى إلا من خلال العلم والمعرفة, ولا بد أن نتحصل على أسبابها حتى ننهض جميعًا من هوة التخلف التي نعاني منها جميعًا.

         ومازال أمامنا الكثير من التحديات التي يجب أن نواجهها, وهناك العديد من القضايا العربية البالغة الحساسية التي يجب أن نقف فيها موقفًا موحدًا, وأن نراها بنفس الكيفية, وكما يقال فليس من صديق للإنسان إلا مبدأه, ينطبق هذا على الدول مثلما ينطبق على الأفراد, ومبدأ دولة الكويت الثابت هو العمل على رأب الصدع العربي والابتعاد عن كل ما يثير خلافًا أو تناحرًا, وقد عملت الكويت سياسيًا واقتصاديًا وحتى إعلاميًا من أجل تحقيق هذه الغاية.

         فالكويت, وهي تحدد سياستها الإعلامية لا تجد لها موضعًا إلا في إطار العمل العربي المشترك. فهي لا تريد أن تكون صوتًا منفردًا رغم سعيها للتميّز. ولا تريد أن تخرج عن الصورة العربية الجماعية بالرغم من احتفاظها بتراثها وواقعها المحلي. من أجل ذلك, سعت الكويت دومًا لدعم العمل الإعلامي العربي, ولم تتأخر عن أي نشاط من أنشطته. وينطبق الأمر نفسه على السياسة الثقافية لدولة الكويت, فقد آمنت دومًا أن الثقافة تمثّل ضمير الأمة العربية, وهي البوتقة التي يمكن أن تنصهر فيها مشاعرها وآمالها دون عوائق أو حساسيات, فالإسلام هو العنصر الأول في ثقافتنا, واللغة العربية - التي هي لغة القرآن - هي أداتنا للتعبير. لذلك فإن العوامل الثقافية قادرة على توحيدنا أكثر من أي عامل آخر. ووفق هذا المنطلق, قامت الكويت - ولا تزال - بدورها الثقافي في العالم العربي.

         ومجلة (العربي) التي تصدرها وزارة الإعلام منذ ما يقارب من نصف قرن هي خير مثال على ذلك. وكذلك الدور الذي يقوم به المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب, وما يصدر عنه من مطبوعات تصل إلى كل البلاد العربية بأقل من كلفتها الفعلية. إضافة إلى ذلك, ما تحتضنه الكويت من أنشطة ثقافية تضم خلاصة الفنون والمعارف العربية, كما يتبدّى في مهرجان القرين. كل هذا ليس إلا تعبيرًا عن الوجه العربي للسياسة الثقافية في دولة الكويت. وهي لاتقوم بذلك من أجل منطلق براجماتي يعتمد على المنفعة الخاصة, ولكنها تفعل ذلك كجزء من التعبير عن هويتها العربية, وهو أمر لا يخص الحاضر فقط, وإنما هو جزء من استراتيجية قديمة وضعها آباء الفكر القومي في الكويت منذ سنوات طويلة, وصارت خطة عمل معتمدة منذ ذلك الحين.

         إنني في تلك المناسبة الثقافية, لا أريد أن أتطرّق إلى حديث السياسة وما فيها من قضايا شائكة, ولكنني أود أن أعيد أمامكم التأكيد على المواقف المبدئية والأساسية لدولة الكويت, فنحن بجانب كل قضية عربية, مادامت تصب في مصلحة المستقبل العربي, وبجانب كل عمل عربي موحد يمكن أن ينقذنا من وهدة التخلف والتردد, وبجانب كل ما يدعو للاستقرار والتقدم في هذه المنطقة. وبجانب كل ما يصون حرية الإنسان العربي وكرامته, وبجانب كل ما يدعو للوحدة وينبذ الفرقة, وسوف نظل كذلك إلى ما شاء الله.

         أشكركم, وأتمنى لكم إقامة طيبة في وطنكم الكويت, وبين أهليكم وإخوانكم, وأتمنى لندوتكم كل النجاح والتوفيق.

         والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...