ملتقيات العربي

ندوة الغرب في عيون عربية

اليوم الأول الجلسة الصباحية الأولى

مدخل لفهم عالم النشر الإلكتروني
الباحث حسام السكري *

          عندما قررت الموسوعة البريطانية في منتصف التسعينيات أن تضع محتواها الورقي الموجود في عشرات المجلدات، على قرص ليزر ضوئي، كانت هذه ضربة لسرب من العصافير بحجر واحد. وفضلا عن توفير مساحات هائلة على رفوف المكتبات، انخفض سعر الموسوعة من آلاف الدولارات، إلى عشراتها، وأصبحت متاحة بسعر زهيد للباحثين والقراء والطلبة. ووفرت المؤسسة كميات هائلة من الورق، ومبالغ طائلة كانت تنفق على إنتاج الموسوعة بشكلها التقليدي.

          ولم يمض وقت طويل على ذلك حتى قررت إدارة الموسوعة أن تتيحها مجانا لمستخدمي شبكة المعلومات. وبمجرد افتتاح الموقع الجديد إصيب بالشلل بسبب الإقبال الهائل لمستخدمي الكمبيوتر. إذ فشلت وحدات الخدمة التي تدعم الموقع، في إتاحة محتواه لكل هذه الأعداد من الزوار. أغلق الموقع أياما لزيادة دعمه التقني. ثم عاد لجماهير الإنترنت. ولكن في العام الماضي أعادت إدارة الموسوعة النظر في مجانية الموقع، بعد أن فشلت في تغطية عائداته من الإعلانات، وفرضت رسوما على الراغبين في دخوله عبر شبكة الإنترنت.

          ومن الواضح أن طموحات الراغبين في النشر الإلكتروني على الشبكة، في إطار عملية ربحية تجارية، بدأت تتحطم على أرض الواقع الافتراضي. وربما كانت تجربة مؤسسة ديزنى في هذا المجال أكثر قسوة من تجربة الموسوعة البريطانية التي نجحت في مجال الأقراص وفشلت على الإنترنت. إذ أعلنت ديزني في يناير/ تشرين الثاني الماضي عن إغلاق موقعها، وحل عمليات الإنترنت في المؤسسة العريقة، بعد أن ثبت لها أن المعلنين هجروا شبكة الإنترنت. راح على المؤسسة أكثر من ألف مليون دولار، وفقد أكثر من أربعمائة شخص وظائفهم، واستوعبت ديزني درسا صعبا، وهو أن الإنترنت لا تمطر ذهبا ولا فضة. والحالمون بالحصول على ثروات من النشر الإلكتروني والإعلانات على الشبكة قد ينتظرون طويلا قبل أن تتحقق أحلامهم.

          الموسوعة البريطانية تأرجحت بين الفشل والنجاح، وديزني قررت الهرب قبل أن تعاني من مزيد من الخسائر. وبين التجربتين مئات التجارب التي لا تخلو من نماذج النجاح بعد أن أدرك القائمون عليها أن النـشر الإلكتروني عالم قائم بذاته، يحــــــتاج فهـــمه إلى إدراك يختلف عما جرى عليه العرف في الــــــسابق.

النشر الإلكتروني: نظام الإنتاج أم أدوات القراءة

          وتعبير النشر الإلكتروني تعبير فضفاض، يستخدم أحيانا لوصف عملية إنتاج المطبوعات الورقية التقليدية باستخدام الوسائل الإلكترونية، ويقصد بها في الأغلب أجهزة الكمبيوتر. ولكنه سيستخدم في هذا المقال للإشارة إلى عرض المعلومات بواسطة أية أجهزة إلكترونية. أي أن المعيار هنا في تعريف النشر الإلكتروني، هو الأداة المستخدمة في عرض المنتج النهائي، وليس بالضرورة الأدوات المستخدمة في الإنتاج.

          ولا يفيدنا هذا التعريف في حصر نطاق النشر الإلكتروني في إطار أكثر ارتباطا بالمفاهيم العملية فحسب، ولكنه يفتح الباب أيضا أمام مزيد من المرونة في التعامل مع المستجدات في هذا المجال، ويسمح بضم أنواع متباينة من وسائل نقل المعلومات وعرضها، لفهمها وتعريفها ضمن مجال النشر الإلكتروني. فمن الملاحظ أن كثيرا من المتحدثين في الموضوع، يفيضون في الإشارة، بل ويقصرون حديثهم في أغلب الأحيان، على الكتاب الإلكتروني، أو تقنيات مطالعة النصوص، وقليلا ما يوسعونه للإشارة إلى النشر على شبكة الإنترنت، أو النشر باستخدام أجهزة كمبيوتر الكف، أو التليفون المحمول، أو غيرها من الأدوات الإلكترونية التي يجري تطويرها لاستغلال الإمكانات المتنامية لتكنولوجيا المعلومات.

          ومن المجالات التي بدأ يقل الحديث عنها في معرض النشر الإلكتروني، ما اصطلح على تسميته باسم الوسائط المتعددة، أو الملتيميديا، التي ارتبط إنتاجها في الأذهان بأقراص الليزر الضوئية CD ROM، وبألعاب الكمبيوتر وبوضع مواد التسلية والترفيه، من صور ونصوص، وموسيقى، وأفلام على هذه الأقراص، أو على أية وسائط أخرى تتمتع بالقدرة على استيعاب سعات عالية من المعلومات مثل أقراص دي في دي DVD.

          وقد عرف مستخدمو الكمبيوتر النشر الإلكتروني على أقراص الليزر، بشكل أكثر تطورا من النشر على شبكة الإنترنت، بسبب قدرتها على عرض معلومات تتطلب سعة أعلى نسبيا في التدفق، مثل الصور أو الملفات الصوتية، أو أفلام الفيديو.

النشر والبث: عملية واحدة أم عمليتان

          ومما لا شك فيه أن الارتباك في فهم المقصود بالنشر الإلكتروني، يعود بالدرجة الأولى إلى استخدام مفاهيم سادت في عالم المعلومات القديم، لوصف مستحدثات تنتمي إلى عالم آخر أكثر تطورا. فعالم الماضي كان أكثر وضوحا وتحديدا بسبب ارتباط أنواع المنتجات المعلوماتية بالتقنية المستخدمة في إنتاجها وتوزيعها.

          فالنشر كاصطلاح، ارتبط في الأذهان بعالم الورق والطباعة وبحدوده كمجال ثنائي الأبعاد يصلح بالدرجة الأولى لعرض النصوص، وإلى حد ما الرسوم والصور، وهو عالم مقيد بالمساحة المخصصة للنشر سواء في الصحيفة أو في الكتاب.

          في ذلك العالم القديم، انفصل "النشر" كعملية لنقل المعلومات وتوزيعها على الورق، عن "البث" كعملية أخرى لتوصيل المعلومات من خلال موجات الأثير، بالصوت وربما الصورة. وارتبط البث بعنصر الزمن، كمحدد أساسي لما يوزع عبر الأثير من معلومات. وفي مقابل رئيس تحرير الصحيفة الذي يعمل جاهدا لتقديم مادته وسط قيود المساحة على الورق، نجد محرر نشرة الأخبار في الإذاعة أو محطة التليفزيون يعمل جاهدا لعرض معلوماته وسط قيود زمنية صارمة.

          العالم الجديد اختلف نوعيا، بشكل يجعل من المستحيل التعامل بين النشر والبث كعمليتين متباينتين، ويحتم تحرير الذهن من ربط النشر الإلكتروني بعملية القراءة، وتوسيع إطار التعامل مع النشر الإلكتروني ليصبح التعامل مع منتجاته خبرة معرفية يستقبل فيها "مستهلك المعلومة" أنواعا متباينة من المعلومات، تستوعب كنصوص، وصور، ومواد فيلمية، وأشكال متحركة ورسوم توضيحية تفاعلية. تقدم كلها عبر وسيط واحد يستطيع التعامل مع هذه الأشكال المتباينة من المعلومات بكفاءة عالية.

المادة الخام: أصفار وواحدات

          وربما تكون هذه القدرة الفريدة على عرض ونقل المعلومات بكافة صورها وأشكالها من خلال أدوات العرض الإلكترونية، أهم ما يميز عالم المعلومات الجديد عن نظيره القديم. ففي حين ارتبطت عمليات إنتاج المعلومات وعرضها بتقنيات شديدة الاختلاف والتباين ولا علاقة لها ببعضها البتة، مثل تقنيات النشر والطباعة، في مقابل تقنيات البث الإذاعي والتليفزيوني، اختلف الحال مع تقنيات إنتاج وتوصيل المعلومات في العالم الجديد.

          والسبب الرئيسي في ذلك يكمن في أن الأدوات والتقنيات الحديثة تعتمد على المنطق ذاته في تكسير واستيعاب المعلومات والتعامل معها، بصرف النظر عن نوع هذه المعلومات. بعبارة أخرى يمكن القول إن التقنيات الحديثة لا تفرق كثيرا بين النصوص، والأصوات، والرسوم، والصور والأفلام. ومن أجل استيعابها والتعامل معها لنقلها أو عرضها، يتم استيعابها جميعا في صورتها الحسابية الخام، التي تتلخص في سلاسل تتكون من رقمي الصفر والواحد.

          فالكمبيوتر، الذي خرجت من عباءته الأدوات والوسائل المستخدمة في عرض وإنتاج المعلومات إلكترونيا، هو في الأساس آلة حسابية صممت للتعامل مع الأرقام.

          والثورة الحقيقية في مجال تكنولوجيا المعلومات، بدأت عندما تمكن الإنسان من تطوير عمل هذه الآلة الحسابية لتتعامل مع أنماط غير رقمية من المعلومات.

          "رقمنة" المعلومات من نصوص، وصور ونغمات، كانت بداية الخيط لسلسلة من الإنجازات على طريق النشر الإلكتروني. فالكمبيوتر يستطيع استيعاب النصوص مثلا كسلاسل من الأصفار والواحدات. كل حرف في الأبجدية يرمز له بسلسلة فريدة من هذين الرقمين. وكذلك الحال مع كل درجة لون، وكل نغمة موسيقى. كلها لا تعدو أن تكون بالنسبة لجهاز الكمبيوتر، أكثر من سلسلة رقمية من الأصفار والواحدات. لهذا السبب لم يعد هناك معنى لاستبعاد بث الأصوات أو الأفلام عند الحديث عن النشر الإلكتروني. بل ويصبح الأمر أكثر طرافة، عندما نلاحظ أن قدرة أجهزة الكمبيوتر على التعامل مع المعلومات أدت إلى تحول في وظائف بعض الأدوات والأجهزة المنزلية التي تحتوي على مكونات كمبيوترية، لتصبح، إضافة إلى كونها أجهزة طهي أو حفظ أطعمة، من أدوات النشر الإلكتروني! والسبب هو أن ما بها من مكونات كمبيوتر يسهل لها أداء وظيفتها، ويمكنها أيضا من التعامل مع المعلومات. وهكذا ظهرت في معارض كمبيوتر أقيمت أخيراً، أجهزة تبريد أطعمة، وأفران ميكروويف مزودة بشاشات كمبيوتر، يفترض أن تساعد ربة البيت في تصفح مواقع معلوماتية معينة، ومتابعة الأخبار التي تعنى بشؤونها وشؤون البيت!

عرض المعلومات: بين التقنية والتحرير

          أدى الدور المتعاظم الذي تلعبه التكنولوجيا في مجال النشر الإلكتروني، سواء على شبكة الإنترنت، أو بأية وسائل أخرى، إلى شيوع اعتقاد بأن المسألة تقنية (وليست تحريرية) في المقام الأول. وفي عدد من التجارب تركت المسألة برمتها لأطقم من الفنيين المتخصصين في شبكات الكمبيوتر وأنظمة التحرير الإلكتروني.

          ويختلف هذا المفهوم عن المفاهيم التي اعتمدتها مواقع مستقرة وناجحة، أدرك القائمون عليها أننا إزاء عملية تواصل معلوماتي قد تختلف في شكلها ووسائلها عن عمليات النشر التقليدي، ولكنها لا تختلف في جوهرها. ومن هذا المنطلق كان المنطق الذي خطط لهذه المواقع منطقا تحريريا بالدرجة الأولى، يضع في اعتباره حاجة المستخدم للمعلومة، وأفضل الطرق وأسهلها لتوصيل هذه المعلومة.

          وما يندرج تحت ذلك من مهارات تحريرية تقتضي الكتابة بأسلوب سلس. وقد تباين هذا المفهوم مع مفهوم المواقع التي تولى مسؤوليتها تقنيون، اهتموا بوضع المعلومات في إطار جذاب وباهر، وسط غابة من الرسوم المتحركة، وأشكال وصور لا تكف عن القفز والحركة. وهي خصائص إن جذبت الزائر للموقع مرة، فلن تفلح في ضمان عودته مرة أخرى.

مساحة الشاشة وعادات الاستهلاك

          ومن المهم الإشارة أيضا إلى بعض العوامل التقنية المهمة التي يكون لها تأثير على القرارات التحريرية، بل وحتى على أسلوب الكتابة وطريقة عرض الأفكار. ومن ذلك مساحة الشاشة المستخدمة في تلقي المعلومة، وهي تعد من أهم العوامل التي ينبغي الانتباه إليها.

          ولو أخذنا مثالا من مواقع شبكة الإنترنت، سنجد أن "أول شاشة" تعتبر أهم قسم في الموقع، أو في كل صفحة بعينها. وهذه الشاشة تعتبر في مقام النصف العلوي من صفحة الجريدة الأولى. ومن المهم أن تحتوي كل العناصر المهمة التي يبحث عنها المتلقي. وإذا كانت تقدم خبرا، علي سبيل المثال، ينبغي أن تكون أهم العناصر موجودة في هذه المساحة، بما يجذب المطالع للصفحة لتحريكها إلى أعلى ومطالعة المزيد. أما إذا لم تراع اعتبارات المساحة في هذه الشاشة الأولى، وكان ما يعرض عليها من معلومات مقدما بشكل مشوش أو غير واضح، فمن المتوقع أن تفقد اهتمام المستخدم، فيتحول إلى صفحات أخري أو مواقع أخري، لا تفرض عليه أن يبذل مجهودا كبيرا في استقبالها واستيعابها.

          وربما يجرنا هذا للحديث عن "العادات الاستهلاكية" لمستخدمي الكمبيوتر، أو غيره من أدوات استقبال المعلومات إلكترونيا. وهي بشكل عام تختلف اختلافا كبيرا عنها في حالة استهلاك المعلومات المقدمة عبر وسائل وأدوات أخرى.

          فدراسة عادات المستخدمين، توضح أنهم يبحثون عن معلومات بعينها، عندما يلجأون الى جهاز الكمبيوتر. وأنهم يفعلون ذلك بعد أن يكونوا قد سمعوا خبرا ما عبر احدى الوسائل التقليدية كالتليفزيون أو الراديو.

          مشاهد التليفزيون أو مستمع الراديو يستهلك المعلومة بشكل سلبي، فهو يجلس للتلقي دون أن تكون لديه القدرة على الاختيار أو تحديد نوع المعلومة التي يستمع إليها. نفي المستهلك للمعلومة لن يجلس أمام جهاز الكمبيوتر ليستقبل المعلومات بنفس الطريقة، ولن يتعامل مع شاشته كما يتعامل مع شاشة التليفزيون. الجلسة أمام التليفزيون جلسة استرخاء، وتسليم، واستقبال. أما أمام الكمبيوتر فالمستخدم متحفز، وباحث، ويتمتع بقدرة عالية على الاختيار. وإذا لم يجد ما يستهويه أو ما يبحث عنه، فليس هناك ما هو أسهل من الخروج إلى موقع آخر بنقرة صغيرة على الشاشة.

          الباحثون عن ذهب المعلنين على شبكة الإنترنت ربما يعلمون الآن أن النجاح والفشل في عالم النشر الإلكتروني محصلة عوامل عديدة. ربما يكون أهمها إدراك طبيعة السوق المتغيرة، ومتابعة التطورات المتسارعة في عالم التكنولوجيا، وفهم سلوك وعادات مستهلكي المعلومات من خلال الوسائل التقنية المتطورة.

          والأساس بالدرجة الأولى هو اجتذاب مزيد من الزوار للمواقع أو المستهلكين لوسائل عرض المعلومات الحديثة. وكلما زاد الإقبال زادت إمكانات الحصول على تمويل لعمليات النشر الإلكتروني سواء بالبيع المباشر، أو الاشتراكات، أو الإعلانات، أو حتى بدعم الدول والهيئات التي يهمها في المقام الأول أن يزداد عدد مستخدمي المنتجات التي تقدم لها الدعم. وفي مجال متغير مع تغير التكنولوجيا ينبغي لنا دائما الاستفادة من النماذج الناجحة فيه، أو حتى تلك التي كانت في مرارة تجربة دايزني مع شبكة الإنترنت.




مشروع بوابة الإنترنت العربية للعــــلـوم والتكنـولوجــيــا
الباحث: محمد عارف *

          (وفيما يخص المستقبل فإن مهمتك ليس أن تتنبأ به بل أن تمكّنه - أنطوان دو سان أكزوبري) يعمد المهندسون عندما يواجهون مسألة مستعصية إلى إعادة تأطيرها بشكل يستدعي الحل. بوابة الإنترنت العربية للعلوم والتكنولوجيا حل هندسي يعيد تأطير أخطر معضلة يواجهها العالم العربي: معضلة عدم وجود منظومة تؤلف بين عناصر العلوم والتكنولوجيا. فالانفصام قائم لحد اليوم بين الجامعات ومراكز البحوث والتطوير ومكاتب التصميم والاستشارة الهندسية وشركات الأعمال والمال وإدارات الإعلام والدفاع والسياسة. وعلى رغم القفزات التعليمية والاقتصادية التي تحققت خلال العقدين الماضيين في معظم الأقطار العربية بقيت عناصر منظومة العلوم والتكنولوجيا العربية منعزلة عن بعضها البعض ولم تتمفصل حلقاتها في شبكات متداخلة ولم تصبح جزءاً من سيرورة علمية تكنولوجية متفاعلة. وأخفقت خطط عدة لربط مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي بالانتاج، ولم ينشأ عنها سوى لجان غير منتجة، أو هياكل بيروقراطية غير فاعلة، أو اتحادات ومنظمات إقليمية محنّطة في هذا القطر العربي أو ذاك. هذه المعضلة حوّلت المدخلات الضخمة لاقتصادات الدول العربية إلى مخرجات أساسية معدومة. ويتردد السؤال الآن في المجتمعات العلمية العربية حول الدور الذي يمكن أن تلعبه تكنولوجيا بوابة الإنترنت في إنشاء المنظمة العربية للعلوم والتكنولوجيا.

          استقصاء الجواب عن هذا السؤال يكشف أن كليهما، البوابة ومنظومة العلوم والتكنولوجيا العربية كالجسيمات داخل الذرة يتحدد وجودها وقياسها بالمقياس الذي تقاس بها. وإذا كانت علوم الطبيعة، كما يقول عالم فيزياء الكمّ وارنر هايزنبرغ جزءاً من التفاعل بيننا وبين الطبيعة فإن البحث عن جواب حول فرص قيام المنظومة والبوابة جزء من تفاعل الفكر العلمي العربي مع واقعه. وعلى رغم العلاقة السببية بين البوابة والمنظومة لا تصح في عصر الإنترنت الصورة الاستعارية التقليدية بين البيضة والدجاجة، ولا تكشف تكنولوجيا البوابة عن إمكان قيام المنظومة فحسب بل حتميتها أيضاً.

السقوط في القرن 12

          في العالم العربي اليوم نحو 10 ملايين خريج جامعي و700 ألف مهندس و50 ألف عضو في الهيئة الجامعية لتدريس العلوم والتكنولوجيا يعملون في أكثر من 175 جامعة عربية، إضافة إلى 1000 منظمة للبحث والتطوير ونحو 100 ألف مؤسسة استشارية وشركة مقاولات ومئات الشركات كبيرة الحجم التي تملك قاعدة رأس مال بمليارات الدولارات. وخلال عقد واحد ما بين عامي 1985و 1995 ارتفع عدد خريجي الجامعات في الوطن العربي أكثر من ضعفين، مع ذلك بقي الناتج الوطني الإجمالي على حاله، بل انخفض الدخل بالنسبة للفرد الواحد، على رغم استثمار أكثر من ترليون (ألف مليار دولار) في إجمالي تشكيل رأس المال الثابت خلال الفترة ذاتها.

          هذه الأرقام ترسم صورة للعالم العربي اليوم وكأنه لم يدخل القرن الجديد الحادي والعشرين، بل سقط فيه من القرن العشرين المنصرم. عدم قيام منظومة للعلوم والتكنولوجيا يقضي على القدرات العلمية والتكنولوجية للأقطار العربية بأن تصارع مقطّعة الأوصال. فالعلوم والتكنولوجيا المعاصرة حركة لاحبة تستدعي درجة عالية من التخصص وتحتاج في آن إلى قدر كبير من التشابك والتلاحم.

          ويزداد إدراك المفكرين الاستراتيجيين اليوم إلى أن العلوم والتكنولوجيا قوة واحدة، وقد تكون أهم القوى التي تتحكم بأحداث العالم. إنها تشكل العالم بالمعنى الحرفي للكلمة. فالسياسات يمكن أن تتغير لكن الإبداعات العلمية التكنولوجية ما إن تنطلق في العالم لا يمكن استرجاعها.

          وتقدم تكنولوجيا بوابة الإنترنت، التي لا يمكن استرجاعها فرصة تاريخية لإنشاء المنظومة العربية للعلوم والتكنولوجيا وتجميع عناصرها المجزّأة. فالبوابة تتكون من هياكل ارتكازية تربط مئات الشبكات وآلاف المواقع والموسوعات والنشريات الإلكترونية وتجمع معطيات عن عشرات الألوف من العلماء والباحثين والمهندسين. وتنسج البوابة عناصر العلوم والتكنولوجيا العربية في منظومة "رقمية" متفاعلة تجعل مردودها أكبر بكثير من عمل مجموع هذه العناصر منفردة. وتتيح البوابة للمنظومة أن تحقق وفق توقعات الخبراء قفزة في إنتاج 50 ألف عالم عربي يعملون 100 ألف ورقة، وبإمكانها أن تضاعف الناتج الوطني الإجمالي العربي الذي بلغ عام 1995 نحو 500 مليار دولار تقريباً ما بين خمسة أضعاف وعشرة أضعاف.

          والبوابة ليست شيئاً بل هي عملية، وهذا مربط الفرس، كما يقول التعبير العربي الدارج. إنها الأداة المثلى للتأليف بين أجزاء المجتمع العلمي العربي الكبير المشتت وتمكينه من تحقيق وجوده عبر التنسيق بين علماء ومهندسي الدول العربية الأفراد داخل وخارج العالم العربي والربط بينهم ومؤسسات ومراكز البحث والتطوير والجامعات ودور النشر العلمي والجمعيات والاتحادات والمنظمات الاستشارية والهندسية والتخطيطية والمالية والجمعيات والنقابات المهنية. وتنشئ بوابة الإنترنت للعلوم والتكنولوجيا شبكة معرفية إلكترونية متعددة المستويات والوسائط ومتفاعلة تربط بين منتجي الأبحاث ومطوّريها ومستخدميها، وتقوم بوظائف الاتصالات ومعالجة وحفظ المعلومات ونشرها وتبادل البريد والوثائق وعقد الندوات وتقديم الخدمات الإخبارية. وتقيم البوابة دور النشر الإلكتروني والأسواق الإلكترونية لتبادل المعلومات والمقررات الدراسية الخاصة بالعلوم والتكنولوجيا، وتلعب دوراً حاسماً في إنشاء الجامعات الإلكترونية العربية الدولية.

بوابة المعرفة

          والبوابة Portal كما يعرفها الاتحاد الدولي للاتصالات هي مصطلح ناشئ يشير عادة إلى نقطة انطلاق ومنفذ يتيح لمتصفّحي شبكة الإنترنت العالمية WWW، أو "الويب" كما تسمى اختصاراً مقاربة ميدان واسع من الموارد والخدمات، كالبريد الإلكتروني، وتنظيم المؤتمرات من بعيد، والحصول على آلات البحث في الشبكة والأسواق الإلكترونية. ومعظم مشاريع البوابة تتعامل مع الشبكة وليس مع ما تمثله الشبكة. فهي معنية بتطوير آلة لإنتاج المعلومات والمعرفة العلمية العربية وترجمتها آلياً من وإلى العربية، وتقدم الدعم التقني للمواقع العربية ذات الصلة بالعلوم والتكنولوجيا، وتساهم في تأسيس حركة نشطة للبرمجيات العربية ذات المصادر العامة Open source software.

          ويستجيب هيكل البوابة لتعقيد نسيج العلوم والتكنولوجيا وحركيتها السريعة في القرن الجديد الحادي والعشرين. فهي تماثل في سلوكها الدارة الإلكترونية التي لا تعمل على أساس المدخلات Input والمخرجات Output، بل عبر منافذ عدة تتعامل مع مدخلات `قادمة من مختلف الاتجاهات، وتتسلم تغذيات عكسية Feed backs تقوم بنمذجة المعطيات الخاصة بالبوابة وفرز الأسواق وتشخيص اللاعبين والتعامل مع حشد من متطلبات السيطرة ومعالجة المعلومات. والبوابة من الناحية التقنية أكبر وأكثر تعقيداً من مواقع الإنترنت. فهي شبكة معرفية يمكن النفاذ إليها من خلال الإنترنت تقوم على قاعدة بيانات موزعة تحتوي على المعلومات المتعلقة بالأنشطة العلمية والتقنية العربية. وتملك البوابة القدرة على تكوين روابط بين وثائق مصنفة بدقة لإنشاء قاعدة قادرة على تحويل المعلومات إلى معرفة. وتجمع بوابة الإنترنت العربية للعلوم والتكنولوجيا بين خصائص ما تسمى البوابات الأفقية والرأسية. فهي تنشئ شبكة ومجتمعاً معلوماتياً عالمياً مكرّساً لدعم ونشر العلوم والتكنولوجيا العربية، وتجمع بين مواقع العلوم والتكنولوجيا العربية على شبكة الإنترنت، وتقيم في آن خدمات اتصالات ومعلومات مختلفة لدعم الشبكة وتطوير البرامج والتقنيات الخاصة بتعليمها والتدريب عليها، إضافة إلى توفير الخدمات الإخبارية وتنظيم الندوات للعلماء والباحثين العلميين وتوفير المكانز والمعاجم العلمية ودوائر المعارف الموسوعية، بما في ذلك موسوعات عن العلماء العرب المعاصرين والأقدمين.

بوابات النشر

          يقارن الخبراء عادة ثورة النشر التي تحدثها تكنولوجيا الإنترنت بالثورة التي أحدثها اختراع غوتنبرغ الطباعة في القرن الخامس عشر. و "كل مقارنة تعرج" كما يقول المثل الألماني. فالوسيط هو الرسالة، وفق العبارة المشهورة لفيلسوف الإعلام مارشال ماكلوهن. وبوابات الإنترنت تصوّر كيف يهيمن الوسيط على الرسالة ويعيد تشكيلها، ليس الرسالة الإعلامية فحسب، بل "الرسالة" الحضارية العالمية. فالتقنية الرقمية Digital technology التي تعتبر المحرّك الأساسي لثورة النشر الجديدة تحول جميع أنواع المعلومات سواء أكانت مرئية أو صوتية إلى الرقم الزوجي صفر وواحد. هذا الرقم الزوجي يشكّل وحدات المعلومات التي يطلق عليها اسم "بتات" bits. كل حرف أو كلمة أو صوت يحول إلى عدد مقابل من هذا الرقم الزوجي. حرف الباء - مثلاً - يتكون من 110010000. أطلقت هذه التقنية التي تحول جميع أنواع المعطيات السمعية والمرئية إلى "بتات" ثورة النشر الحالية. ومع أن هذه الثورة ولاتزال في بدايتها، فالعالم يشاهد كيف تدمج التقنية الرقمية صناعات النشر والإعلام والمعلومات والاتصالات والترفيه. ولن تستطيع مؤسسات النشر تجاوز الصدمة التي تعاني منها حالياً إلا حين تتعامل مع النشر في جميع أشكاله كمعطيات رقمية "متعددة الوسائط". حتى الصور المتحركة هي نوع خاص من بث المعطيات أو "البتات". وينبغي ألا يقتصر التفكير بالبتات على مستوى التقنيين والمهندسين، بل يشمل مستوى الناشرين والمصممين والمؤلفين وكل ما يطلق عليهم حالياً اسم "صانعي" أو "مورّدي المحتويات".

          وتمثل هذه المعطيات "النابضة" جوهر ثورة النشر الإلكتروني التي جعلت صحفاً يومية كصحيفة "غارديان" البريطانية تعرض على شبكة الإنترنت ليس موادها المكتوبة فحسب، بل تضمنها تقارير إذاعية ولقطات فيديو وقناة اتصالات فورية يتبادل عبرها المحررون تعليقات مباشرة مع قرّائهم. وحوّلت ثورة النشر هذه موقع قناة تلفزيون فضائية مثل "سي.إن.إن" الأمريكية على الإنترنت إلى صحيفة وإذاعة وتلفزيون وأرشيف ومكتبة وقناة اتصالات متفاعلة تتيح لكل من تتوافر بين يديه جهاز كمبيوتر متصل بالإنترنت أن يكون على الهواء مباشرة. ويشاهد العالم بالدقائق كيف تنشأ بوابات نشر واتصالات إلكترونية عن الصحف والمجلات ودور النشر والمحطات الإذاعية والتلفزيونية وحتى شركات الأعمال والمؤسسات المالية والصناعية. والسؤال الذي يطرح نفسه بالمناسبة هو: طالما كانت مواد مجلة "العربي" على سبيل المثال تنضد وتصمم على الكمبيوتر، فما المانع من الاستفادة من تكوينها الإلكتروني "النابض" وتحويلها ليس إلى حروف "ميتة" على الورق، بل بثها عبر شبكة الإنترنت كأصوات وصور فيديو وإحياء الكمّ الهائل من المعطيات الثمينة الحبيسة في صفحات مجلة "العربي" وإعادة طرحها في شبكة الإنترنت؟

مشاريع البوابة العربية

          يقول شاعر أمريكي من جيل الكمبيوتر: "عندما ألفظ كلمة "المستقبل" يصبح المقطع الأول من الكلمة في عداد الماضي". والمستقبل ينصرم في العالم العربي أيضاً، حيث تنشط جهات ومؤسسات عدة تعمل منفردة أو مجتمعة في تطوير مشاريع مختلفة لبوابة الإنترنت العربية للعلوم والتكنولوجيا. من بين هذه الجهات المكتب الإقليمي لليونسكو في القاهرة، ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية في الرياض، و "المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا" في الشارقة، والمركز الإقليمي لتكنولوجيا المعلومات وهندسة البرامج في القاهرة، وشركة صناعة البرامج العربية "صخر" في الكويت، وشركة صناعة أنظمة الإنترنت "نوليجفيو" في لندن.

          ويقدم المكتب الإقليمي لليونسكو في القاهرة من خلال وضع تكنولوجيا المعلومات في خدمة تعليم العلوم والتكنولوجيا نموذجاً عملياً لما يمكن أن تصنعه بوابة الإنترنت. هذه النشاطات جزء من "الشبكة الدولية للتعليم" International Grid Learning التي تساهم فيها دوائر العلوم والاتصالات والمعلومات والتعليم في منظمة اليونسكو، وتعتمد على حصيلة عملية لبرامج شرع بها المكتب الإقليمي في القاهرة منذ عام 1971. طوّرت البرامج 15 مشروعاً لاستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في تحديث تدريس علوم الإحصاء والفيزياء والكيمياء والأحياء والرسم الهندسي وبرمجة الحاسوب والهندسة الآلية وغيرها. ساهم في البرامج نحو 50 من أعضاء الهيئات التدريسية من 17 جامعة عربية. بعض هذه المقررات الدراسية موجود على شبكة الإنترنت وبعضها الآخر متوافر في اسطوانات "سي دي" مدمجة.

          ويطوّر مشروع اليونسكو مكتبات إلكترونية مصنّفة ومواد تعليمية تتيح للجامعات العربية منافذ فورية لمقررات دراسية في العلوم والهندسة منتقاة من بعض الجامعات العالمية، كما تتيح للجامعات العربية تطوير مقرراتها الخاصة وعرضها في بوابة الإنترنت. كثير من هذه البرامج قيد التنفيذ منذ فترة بالتعاون المباشر ما بين جامعات عربية وأمريكية، ويمكن الحصول حالياً في موقع اليونسكو في شبكة الإنترنت http://unesco.uaeu.ac.ae:8900 على مقررات الكيمياء باللغتين العربية والإنجليزية. قامت بتطوير المقررات جامعة عين شمس في مصر وجامعة "إيلينوي" في أربانا شامبين في الولايات المتحدة الأمريكية. ويتميز مشروع اليونسكو ببرامجه المخصصة لبناء المهارات العربية في الحاسوب عن طريق الدورات التدريبية والورش التي نظها. ساهم في هذه الفعاليات نحو 800 عضو من الهيئات التدريسية في جميع الجامعات العربية تقريباً. وينظم مكتب اليونسكو الإقليمي حالياً برامج لمنح المشتغلين بالحاسوب إجازات عمل دولية International Computer Driving License.

بوابة التعليم العالي

          هذه التطورات ليست سوى الخطوات الأولى من الثورة التي تحدثها تكنولوجيا البوابة في مستوى وحجم التعليم العالي في العالم العربي. فهي تزيل الحدود بين الجامعات التقليدية والجامعات المفتوحة، وتهيئ فرص التعليم المستمر والتعليم 42 ساعة في اليوم وعلى مدار السنة، وتضع في يد الجامعات جميع وسائط التعليم: التدريس عبر البث الإذاعي والتلفزيوني والقنوات الفضائية والحاسوب والبريد الإلكتروني وشبكات الإنترنت والوسائل متعددة الوسائط. وتوافر التكنولوجيا التفاعلية في البوابة الاتصال المباشر وجهاً لوجه بين الطلاب والمدرّسين، وتطور وسائل التدريس التفاعلي بواسطة البث المرئي في اتجاهين عبر محطات طرفية موزعة على المراكز التعليمية الإقليمية.

          وتقيم البوابة أنماطاً جديدة من الجامعات المفتوحة لمواجهة الطلب الانفجاري على التعليم العالي. فتزايد عدد سكان العالم يضاعف الطلب على التعليم العالي الذي يستدعي فتح جامعة واحدة كل أسبوع. وتختلف تجارب الجامعات المفتوحة الحالية، كما تتباين الآراء بصددها. لكن خبراء التعليم العالي يتفقون في الرأي على أن تكنولوجيا الإنترنت تقدم حلولاً لأزمة التعليم العالي التي تعاني منها جميع دول العالم، وتقود حركة تجديد طرق التدريس الجامعي، وتطوير أساليب التدريس بالمراسلة، وتدعم التدريس من بعيد، وتعزز مختلف أنواع التعليم خارج الحرم الجامعي والذي لم يكن يحظى بالتقدير قبل سنوات قليلة.

          وتتيح البوابة للجامعات فرص استخدام المقررات الدراسية للجامعات الراقية المحلية والعالمية وإقامة فصول مشتركة معها، وتساعدها على اختيار أفضل المقررات التدريسية المتوافرة في سوق التعليم العالي العالمية وإقامة مشاريع مشتركة مع صناعة المعلومات والاتصالات العربية والدولية. وتحقق بذلك وفورات اقتصادية لأنظمة التعليم العربية التي تتحمل نفقات ضخمة من النقد الأجنبي لتعليم طلبتها في الخارج. وسوق التعليم العالي تزخر اليوم بالجامعات الأوربية والأمريكية التي تتنافس على تدريس موادها ومقرراتها من بعيد للطلاب في البلدان النامية.

          عندما تزول الحدود فهناك، كما يقول الروائي الكولومبي غارسيا ماركيز متسع لكل شيء، وهذا هو مصدر عشرات الأسئلة المحيّرة التي يواجهها القائمون على مشاريع بناء بوابة الإنترنت العربية للعلوم والتكنولوجيا عن الجدوى الاقتصادية لها وضماناتها الأمنية وآثارها الاقتصادية والثقافية. هنا كما في معظم الجوانب المتصلة بالثورة العلمية التكنولوجية لا تحصل أكثر أعمال الفكر تمحيصاً على اليقين بل الدهشة. والشعور بالدهشة مصدر بهجة يومية لكل مَن يتصفّح بوابات الإنترنت المشهورة، كبوابة "ياهو" www.yahoo.com وبوابة شركة مايكروسوفت www.msn.com أو البوابات الإعلامية مثل بوابة هيئة الإذاعة البريطانية "ي بي سي" www.bbconline.co.uk وبوابة محطة التلفزيون الفضائية الأمريكية "سي إن إن" www.cnn.com أو البوابات العلمية العامة كبوابة مجلة "نيوسساينتست" البريطانية www.newscientist.co.uk أو البوابة العلمية المتخصصة كبوابة علوم الفيزياء http:www.nature.com/physics المتفرّعة عن مجلة بوابة مجلة العلوم الدولية "نيتشر" www.nature.com وبوابة "عجيب" للترجمة الآلية www.ajeeb.com التي طوّرتها شركة صناعة البرامج العربية "صخر".

          مصادر: Ali Assam, Formation of an Arab Science and Technology Internet Portal, Report to the First Meeting of the Arab Science and Technology Foundation, Sharjah,2000 John S Daniel, Mega-Universities and Knowledge Media, Kogan Page Ltd.London1996 Jon Pietruszkiewicz, What are the Appropriate Roles for Government in Technology Deploymant? NERL,US Department of Energy Laboratory, December 1999. Tarek G. Shawki, Information Technology in the service of Science and Technology Education in Arab States, UNESCO, Cairo Office.

          أنطوان زحلان، "العرب وتحديات العلم والتقانة" مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 9991. محمد عارف، "حان وقت الوصل بين أجهزة الكمبيوتر في الجامعات العربية" صحيفة "الحياة"، لندن 21/5/1971. محمد عارف، "العرب قادمون إلى عصر الكمبيوتر لبناء أكبر مجمع للتعليم في العالم"، صحيفة "الحياة"، لندن 11/2/1998

          محمد عارف، "تأثير تكنولوجيا الفضاء والكمبيوتر على أجهزة الإعلام العربية"، من منشورات سلسلة محاضرات الإمارات، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، أبوظبي، 8991. محمد عارف، "رقمنة وعولمة الإعلام العربي"، "قمة أبوظبي لدول الخليج العربية" من منشورات مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، أبوظبي 1998 محمد عارف، "تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات تحول التعليم إلى صناعة دولية"، صحيفة "الحياة"، لندن 14/10/1998. محمد عارف، "حان وقت إنشاء أم الشبكات التعليمية العربية" صحيفة "الحياة"، لندن 5/5/1999. محمد عارف، "ماذا فعلت الثورةالعلمية التكنولوجية بالعالم العربي وماذا ستفعل؟"، صحيفة "الشرق الأوسط"، لندن 18/9/2000.




من عصر الرفاه الى عصر الانترنت
الباحث: عثمان العمير *

عثمان العمير:

          ـ شكراً، كنت أنوي عمل ورقة مليئة بالأرقام والمعلومات كما يحلو للصحافيين الإنترنتيين أن يتفاخروا بها، لكني اكتشفت أنني نصف أمي البارحة لأن الجهاز ثار علي، فاعتذرت لنفسي أنني عشت في عصر الرفاه، عصر الانترتايب وكل الأشياء التي لم يتعود عليها الانترنتيون.

          يضاف إلى ذلك أنني سأكون آخر المتكلمين، وآخر المتكلمين يكون عادة مثل آخر المطربين أثقلهم ظلا ودماً.. فعذراً.

          بعد ثلاثة أيام من الآن تكون قد مرت ثلاثون سنة على حلم راودني في الهجرة من السعودية صوب الكويت، ولم يكن ذلك الحلم بسبب أنني انحدر من قلب الجزيرة العربية، وبين أحضان كثبان الرمال في نجد، في مدينة ـ وبعضنا يسميها اقليما ـ وهي "الزلفي" اعتاد اهلها على الإبحار إلى الكويت يمينا والى الزبير يساراً، ونصب عيونهم دائما أحلام في طلب الرزق. بل لأن سنوات العمل الصحفي الكويتي كانت فترات ماسية، وشكلت زخماً في تاريخ الصحافة العربية، كانت "الرأي العام" بجاذبيتها الشعبية ذات الصدى الخليجي، "السياسة" بحيوية رئيس تحريرها وطاقمها العربي المنوع، و"الوطن" بيساريتها الفاقعة وبعدهم زمنيا "القبس" بتعربها وليبراليتها إذا صح أن لدينا ليبرالية عربية بمعناها المتعارف و"الأنباء" بتدفقها وبعدها الكويتي.

          على أي حال لم يتحقق ذلك الحلم والسبب هو زميلنا الكبير وصاحب جريدة السياسة الأستاذ أحمد الجار الله فلا استطيع الآن أن أعلن لماذا لم اتجه إلى الكويت.

          وكانت الخطوة الأبعد هي أن من طلب الذهاب إلى الكويت، ذهب الى "فليت ستريت" سنوات عدة ليعيش اهم ثورة صحفية مرت على المنتصف الاخير من القرن العشرين، حيث تناظمت الاسماء التي لم تعد مجهولة في مساءات الصحافة العالمية بل في سماءات السياسة، "مردوخ"، "تاتشر"، نقابات العمال، نقلة التكنولوجيا حقوق العمال، سقوط الاشتراكية مضرجة بدمائها أمام الرأسمالية الثانية او ما سمي فيما بعد بالطريق الثالث. وبين الحلم والواقع هبت أمام نوافذنا المشرعة أبدا ودائما لنوبات الزمن، بل وحبال ذاكرتنا أطياف لا تعد، ولا عد لها ولا حصر من الاحداث والمتغيرات.

          دعوني أيها الاصدقاء أن أعود الى ديدن الصحافي والقلم والواقع ذلك الصحافي الذي بدأ ينقرض وأنا واحد منهم، واذا لم تتداركني رحمة الله، فلن اتحدث عن الارقام والوقائع لسبب شخصي اولاً، ولأن هناك زملاء قبلي حقيقة امدونا بكثير من المعلومات لا استطيع امانة ان انافسهم عليها.

          سأحصر هذه المداخلة فقط بتأملات وخواطر اكثرها مرقماً، دعوني كذلك أسأل نفسي معكم: لماذا يهاجر صحفيا ارضا بنفسه للوصول الى ما يبتغي عبر مواقع ومسالك صحفية مفتوحة ومكتوبة، لماذا يهاجر الصحفي الصحافة المكتوبة وهو الذي امضى زمنا عتيا فيها، هل هو السأم أم الاغراء أم امور أخرى، ام شعور بأن هناك زمنا ساد ثم باد، وان إشراقة جديدة انبثقت على ارض الواقع لابد من مصاحبتها والانغماس فيها.

          وفي البداية علي الاعتراف ان حلم جيلي من الصحافيين العرب وما قبله وربما ما بعده لم يتحقق في أن تكون هناك صحافة عربية ذات إشعاع جغرافي عربي يخرج من امده المحلي الى آفاق عربية رحبة.

          حتى المحاولات التي تمت اقتصرت على نخب معينة من صناع القرار والمثقفين ورجال الاعمال تتخاطب مع نفسها وبنفسها، لاسباب معينة استطيع ان اجملها في بعض النقاط:

          اولا: ان المواصلات بين اجزاء العالم العربي لاتزال ادنى من المأمول بكثير وهي ضعيفة عند التخلي عن البلاغات اللغوية والاحاديث المملولة عن التضامن وشعارات التكافل العربي المسموعة فقط في المؤتمرات وعبارات المجاملات والخطابات الفارغة من المحتوى والمعنى معاً.

          فنحن عندما نتواصل مع المغرب العربي نتجه اولا الى لندن او باريس لننفذ منها ما يسمى بالجناح الغربي للعالم العربي، ومن بين اكثر من عشرين شركة طيران عربية، توجد فقط شركتان عربيتان تسيران رحلات الى كل من الدار البيضاء مثلا والرياض وجدة والقاهرة وابوظبي فقط، اما الخطوط البريطانية والفرنسية فإن رحلاتهما اليومية الى تلك العواصم ومنها الدار البيضاء فانها تصل ما بين رحلتين الى ست رحلات يوميا بالنسبة للبريطانية اما الفرنسية فلها اكثر من ذلك.

          وعلى ذلك نتأمل العلاقة بين دول الخليج وكل من الهند والباكستان وإيران ونقارنها بدول عربية أخرى، أرجو أن لا يفهم من كلامي هذا انني انادي برفع عدد الرحلات الجوية بين الدول العربية فهذا الأمر تحكمه المصالح لا لهجات الأخوة والتعارف.

          أما الرقابة فحدث ولا حرج، والرقيب العربي مخترع لامع تتوفر لديه أعداد لا تحصى من الأفكار والابداعات في هذا المجال.

          واسمحوا لي أن اعدد بعض الطرق دون الدخول في الاسماء باعتبار ان التجربة مرت عليها سنوات عدة، ومازالت ذاكرتي تحتفظ بتلك التجربة التي تعاملت فيها مع الرقيب منذ ما يزيد عن خمسة عشر عاما عندما كنت رئيس تحرير مطبوعتين عربيتين تصدران من الخارج، فالرقيب "زيد" مثلا يقرر منعك تماما من الدخول، فضلا عن منع الصحافي حتى يتم تشغيل القنوات الحية وغير الحية مع عدد كبير من التنازلات.

          أما الرقيب "عمرو" فيحدد المطبوع بألف نسخة أو أقل، وأذكر أن جريدة الشرق الاوسط مثلا ظلت تطبع عددا لا يتجاوز ألفي نسخة لمدة عشر سنوات لا يزيد ولا ينقص صيفا وشتاء، جمعة وسبت. أما الرقيب "سعد" مثلا فإنه يماطل ولا يكبح حتى لا تصاب بالملل وتوقف الارسال لكن "سعيدا" لديه الاسلوب الأمثل وهو عصر الكمية المرسلة حتى تصل إلى ما فوق التكلفة، ولسعد وسعيد وزيد وعمرو عشرات الاشقاء الذين توحدوا في محاربة كيفية الانتقال السريع بين الصحافة العربية، والغريب ان هذا الوضع لم يتغير كثيرا مع ان الصحيفة تصل إلى الجميع عبر الواصل الالكتروني.

          أمر ثالث يتعلق بطريقة التوزيع في العالم العربي، إذ ان هناك اكثر من شركة توزيع تنتمي الى اتحاد موحد، في مناطق ومجتمعات ولكنها لا تزال ضعيفة في مناطق وقوية في مناطق أخرى، إذا اخذنا بعين الاعتبار دولاً مثل مصر والمغرب والسعودية فنجد أنها تمتلك شبكات توزيعية جيدة لكنها تختلف حسب القوانين والظروف.

          والحقيقة أن الأمر الأخطر من هذا كله هو انه ليس هناك مرجعية اعلامية عربية، تعامل كما لو كانت صحيفة لثقافة معينة مثل ما هو موجود في اللغات الأخرى، فقارىء الإنجليزية مثلا يعتبر التايمز مرجعيته اللغوية، أو الثقافية، بصرف النظر عن هويته وكذلك هو الحال في اللغة الفرنسية فيما يتعلق بـ "لوموند" كمرجعية، أو فيما يتعلق في الـ "بايس".

          هناك فعلا محاولات عربية في السابق وفي اللاحق لإيجاد نوع من تلك المرجعية ولكنها لم تكتمل بما فيه الكفاية.

          وقد حاولت ما تسمى بصحافة المهجر، وأنا لا أسميها كذلك لأنها لم تهاجر أساسا، حاولت ان تحقق المرجعية أو الاشعاع القومي ولكنها استمرت كما قلت مميزة لدى طبقة "الانتلجنسيا" ولكنها لم تصل إلى الرواج الشعبي الكبير كما هو حاصل في المطبوعات الأخرى.

          عامل أخير مهم يتعلق بطبيعة المجتمع العربي في تضاعيفه السياسية والوجدانية، وفي ثقافته وجذوره، وهو أنه رغم التقدم الكبير الذي يجتاح العالم تفكيرا وسلوكا وثقافة تجاه الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان وحرية التعبير، فإن هذه القيم التي أصبحت حقا مشاعا لانسان القرن العشرين تتعرض لظلم بين من قبل الحاكم بل ومن قبل قطاعات المجتمع بمختلف مكوناته، فهناك الكثير من المحظورات التي ما إن تفلت من يد رجل السلطة حتى تتلقفها قوى المجتمع لمحاربتها ومعاداتها لأنها تمثل رأيا آخرا لا يرضي هذه المجموعة أو تلك، وبقدر ما تتسع مساحة الحرية في المجتمعات الغربية ويتسع العالم، لأن هذه الحرية هي ضمانة الاستقرار والنمو والتقدم وحصانة ضد التخلف، نجد ان هناك حالات عكسية داخل عالمنا العربي والإسلامي، بل أصبحت هذه القوى تستخدم التكنولوجيا وتقنيات الإعلام في وأد الرأي الآخر والتضييق على الحريات، لسنا ضد الرأي الآخر أو المخالف ولكننا ضد دينامية استمرار هذا الفكر في التضييق والتطهير البدني وما سمعناه في آخر الأمر من محاولة فرض عقوبة الاعدام بحق فنانين ومثقفين.

          لا أريد هنا القول إن الإنترنت هي الحل أو الإنترنت أولاايلاف هي أحد أعمدة هذا الحل، فالالغاء ممنوع في عالم المتحضرين، والإعلام أثبت أنه اكثر المجالات مقاومة لما يسمى بالالغاء أو البدائل، ومنذ بزوغ فجر القرن ما قبل الماضي، فإن كل وسيلة تأتي تتعايش مع ما قبلها، فالراديو مازال يتجدد ويتألق بجانب التلفزيون، والإنترنت سوف يتعايش ويأخذ ويعطي للصحيفة، لكن حظ الإنترنت انه لن يقف مكتوف الأيدي مع عوائق النشر والرقيب والحدود الجغرافية.

          ومن هنا كانت فكرة "ايلاف" التي نريد ان نقدمها للعالم باللغة العربية أولاً ثم باللغة الإنجليزية واللغات الأخرى.

          تسكنني هواجس عديدة، من أهمها بل أخطرها هواجس الاستقلالية والانفتاح والمهنية، لا أدعي إنني أملك هذه المفاتيح أو انها متوفرة لدي، ولكنني جازم انه بدون تلك الهواجس سيكون الامر غير يسير يجسم الأمر نفسه مستخدما الإنترنت في تحقيق هذا التواصل.

          ان كثيرا من النخب العربية لا ينظرون بعين الاكتراث الكافي لخطورة اختطاف الإنترنت من امامهم وتحويله وسيلة ذات جاذبية خارج نطاق التنوير والحداثة دون الاخلال بقيم الرأي الآخر أيا كانت وإنما المطلوب الآن هو ادخال هذه النخب العربية وتأخيرها ومحاولة تشجيعها على النمو مع الإنترنت. اشكركم على هذا الإنصات، وأرجو أن أكون قد وفيت وإن كنت لم أشعر.. والسلام عليكم.