ملتقيات العربي

ندوة الثقافة العلمية واستشراف المستقبل العربي

كلمة الدكتور أحمد الإبراهيمي وزير خارجية الجزائر

كلمة الضيوف يلقيها الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي
وزير خارجية الجزائر الأسبق

د. الإبراهيمي: محور الندوة يعيد تذكيرنا بأن المشرق والمغرب جسد واحد منذ وحدهما الإسلام
صباح الأحمد أنشطنا وأحرصنا على قضايانا المصيرية
وعبدالعزيز حسين كان أقدرنا وأحكمنا في الجبهة الثقافية
جيلنا كان يحلم بالوحدة العربية فأصبح يخشى على وحدة الكيانات القائمة

         أكد وزير خارجية الجزائر الأسبق والمفكر الجزائري د. أحمد طالب الإبراهيمي أهمية الندوة التي تعقدها مجلة العربي في تعزيز التواصل الفكري والثقافي بين مشرق الوطن العربي ومغربه.

         وقال د. الإبراهيمي إن موضوع هذه الندوة يستحق عليه رئيس تحريرها الدكتور سليمان إبراهيم العسكري تحية خاصة, لأنه يتصل بمستقبل ومصير أمتنا العربية, في وقت عمّ فيه التشتت والتناحر أجزاء واسعة من الوطن العربي مشرقاً ومغرباً, وانحسرت فيه دائرة الأمل التي نشأنا في ظلها صغارا, واتسعت فيه دائرة الإحباط التي وكأنها تريد أن تجهز علينا كباراً.

         وأشاد د. الإبراهيمي بدور دولة الكويت التي تحتضن هذه الندوة ممثلة في شخص وزير الإعلام معالي الأخ محمد أبو الحسن, وهو جهد دؤوب عزز إسهامات الكويت التي لم تنقطع في مجال إثراء الثقافة العربية بإحياء التراث, وتشجيع حركة الترجمة, وتنظيم الندوات الفكرية الهادفة).

جسد واحد

         وأضاف: إن محور ندوة اليوم يأتي ليذكرنا بأن المشرق والمغرب جسد واحد, ومصير واحد, منذ أن وحدهما الإسلام, ولكنه يعيد إلى الأذهان حقيقة أخرى, وهي أن التواصل بين المغرب البربري والمشرق السامي سابق بآلاف السنين, حين تجسد عبر المستعمرات الفينيقية على السواحل المغربية, وتنقلات المغاربة حتى إلى مصر وفلسطين.

         وأوضح أن التواصل بين المشرق والمغرب ظل قائماً, حيث كان العلماء والأدباء والفقهاء ينتقلون من دون قيود أو حدود, ويلقون في كل مكان يحلون فيه حرارة الاستقبال والترحيب والمكانة اللائقة بهم في المساجد والمنابر والمحافل العلمية, وفي دواليب الحكم كوزراء وسفراء وقضاة ومستشارين.

         وتساءل د. الإبراهيمي: هل ننسى أن الدولة الرستمية قامت على أرض المغرب على أيدي دعاة مشارقة, وأن الدولة الفاطمية كان بدؤها بالجزائر وأوجها بمصر?

         وقال أيضاً: هناك تساؤل كثيراً ما يتردد على ألسنة المغاربة, وآمل أن يجد جواباً من خلال هذه الندوة وهو: لماذا يعلم المغاربة عن المشرق أكثر مما يعلم المشارقة عن المغرب?

         وأجاب عن تساؤله بالقول: في تقديري أن لهذه الظاهرة سببين, أولهما التصور الشائع والمحق بأن المشرق منبت الوحي وهو مصدر العروبة, وهو القلب السياسي والثقافي الذي يغذي الأطراف, ولا يغذّى منها, وإلا فكيف نفسر افتقار الأيديولوجية العربية الإسلامية إلى مساهمة المغاربة من المعاصرين, كمالك بن نبي, ومحمد عابد الجابري, وعبدالله العروي, وهشام جعيط, ومحمد طالب, ومحمد أركون?

         أما السبب الثاني فيكمن في محتوى الكتب المدرسية التي تحضر للناشئة وتخصص للمختارات الأدبية والفكرية, فنجد في المغرب أن حصة الأسد أعطيت للمشارقة - على غرار ما فعل ابن عبد ربه في عقده - حيث إننا نقرأ لابن المقفع والجاحظ وابي حيان والبحتري والمتنبي والمعري في الأقدمين, ونقرأ للرافعي والحصري وطه حسين وشوقي والرصافي وايليا ابي ماضي من المحدثين, بينما في الكتب المشرقية لا نجد إلا نادراً ذكر أمثال ابن حزم وابن شهيد وابن الخطيب وابن دراج وابن زيدون, وابن هانئ في الأقدمين, ولا ذكراً عن ابن باريس وابن العربي العلوي, وعلال الفاسي في المحدثين.

عصور الازدهار

         وأوضح الدكتور أحمد طالب الإبراهيم أن هذا التواصل بين المشارقة والمغاربة لم يكن حاجزاً أمام صدور رسائل عن فضائل أهل الشام او فضائل أهل الأندلس, وأرى أن البحث في الخصوصيات مناسب في عصور الازدهار, أما اليوم وأمام الخطر الذي يهددنا جميعاً, فنحن في حاجة إلى رص الصفوف وتنسيق الجهود وتكامل الإكانات, وأمام التحديات التي تداهمنا جميعاً, فنحن في حاجة إلى أجوبة باسم الأمة, لا أجوبة باسم منطقة أو مذهب أو جنس, خاصة أن طموحاتنا تقلصت إلى درجة أن جيلنا الذي كان يحلم بالوحدة العربية, أصبح يخشى على وحدة الكيانات القائمة.

         ورأى د. الإبراهيمي أن الإصلاح المنشود سوف يتحقق إذا وفرنا له أربعة شروط هي: إعادة الاعتبار للعلم والعلماء والبحث والباحثين, بدعم مراكز البحث الجادة في العلوم الدقيقة والعلوم الإنسانية, وأن ننظر إلى بعضنا البعض لا بعيون الآخرين, ولكن بالاتصال المباشر, خاصة عبر تأسيس مراكز ثقافية على امتداد العالم الإسلامي, حتى نحافظ على التواصل التاريخي القائم, ونحصنه أمام القصف الإعلامي الغربي, ومن المفارقات العجيبة أن نجدالغرب الذي فرقنا بالأمس ومازال هو نفس الغرب الذي نعتمده في الحكم على بعضنا البعض.

         والشرط الثالث هو السماح للمثقفين في أوطاننا أن يلعبوا دورهم في صنع القرار, حتى لا يلجأوا إلى الفرار ضمن طابور هجرة العقول, أما الشرط الرابع فهو تمكين المواطنين من ممارسة حقوقهم في المواطنة, حتى لا يلجأوا إلى عدم المهادنة, وحتى يعم الأمن والسلام الاجتماعي كضرورة لدفع عملية التنمية وتوفير الأجواء الملائمة لبناء ديمقراطية سليمة.

         وفي ختام كلمته وجه الإبراهيمي التحية إلى راعي الحفل سمو رئيس الوزراء الشيخ صباح الأحمد الجابرالصباح, وقال: بهذه المناسبة اسمحوا لي أن أدلي بشهادة متواضعة موجزة, في السبعينات والثمانينات خضنا معارك على الجبهة الثقافية كان المرحوم الأستاذ عبدالعزيز حسين أقدرنا وأحكمنا, وخضنا معارك على الجبهة السياسية, كان الشيخ صباح أنشطنا وأحرصنا على قضايانا المصيرية, وفي طليعتها القضية الفلسطينية.