ملتقيات العربي

ندوة المجلات الثقافية ودورها في الإصلاح الثقافي

الترجمة العلمية

معوقات انتشار الثقافة العلمية المترجمة
م. عزت عامر

         يتزايد انتشار الثقافة العلمية بين الجمهور العام بمرور الوقت لتحتل مكانتها اللائقة بها، خاصة بعد أن طرحت العلوم المعاصرة إجابات جديدة حول الأسئلة الكبرى التي ظلت تشغل العقل الإنساني منذ قديم الزمان، مثل ماهية الكون وأصله ومصيره وماهية الحياة والعلاقة بين المادة والطاقة والعناصر الأولية ومجالات القوى على المستوى ما تحت الذري بالغ الصغر والمستوى الكوني بالغ الضخامة، وآليات عمل العقل البشري.

         وللترجمة دور أساسي في نقل المعارف العلمية الحديثة إلى اللغة العربية لتلبي حاجة البالغين والشباب والأطفال المتنامية إلى الاطلاع على أحدث ما أنتجه العلماء في شتى فروع العلم.

         ويساعد على انتشار الثقافة العلمية في كل دول العالم أن تقنيات المعلومات والاتصالات أصبحت تمثل قوة عمل لا يُستهان بها مما يفتح طريقاً أمام التطور العلمي والمشاركة في إنتاج هذه التقنيات. ولا تقتصر فوائد هذه الثقافة على إمداد أوسع جمهور بأحدث المعارف العلمية، وتأهيله لاستيعاب المنهج العلمي، ليكون أداة سلسة وتلقائية يمارسها الجميع في حياتهم اليومية، بل يساهم انتشار هذه الثقافة أيضاً في إحداث تطور ملموس في الأبحاث والإنتاج وإطلاق واحتضان القدرات الإبداعية الكفيلة بمواكبة العصر والمشاركة في المستقبل.

         وفي مجال نشر الثقافة العلمية يجب على المترجم مراعاة الفرق بين مستوى الجمهور الموجهة إليه الثقافة العلمية بلغتها الأصلية (الإنجليزية والفرنسية مثلاً) والجمهور العربي الذي يفتقد إلى الحد الأدنى من الثقافة العلمية. لذلك يجب على المترجم أن يقدم في الهوامش ومقدمة الكتاب المزيد من تبسيط المعاني والمصطلحات. ويلزم المترجم العلمي أيضاً أن يواكب أحدث المستجدات في عدد كبير من المجالات العلمية، وإذا حدثت اكتشافات مهمة في مجال الكتاب الذي يترجمه عليه أن يذكرها في المقدمة نظراً للمتغيرات المتسارعة في مجال الاكتشافات العلمية.

         وإذا علمنا أن نصيب الترجمة العلمية في مشروعات الترجمة الكبيرة لا يتجاوز خمسة في المائة من مجمل الكتب المترجمة في المشروع القومي للترجمة في مصر مثلاً، وعلمنا ندرة هذه المشاريع العربية التي تُعتبر سلسلة عالم المعرفة، التي يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت، في مقدمتها، يتضح لنا تواضع الإصدارات العلمية المترجمة إلى اللغة العربية.

         وهنا يجب أن نعلم أن الدول العربية تحتل مكانة متأخرة في مجال الترجمة بالنسبة لغيرها من الدول، بل حتى تتراجع. ففي إحصائية لمنظمة اليونسكو تراجعت الترجمة في الوطن العربي، حيث كان نصيب البلدان العربية من إنتاج الكتب المترجمة في عام 1970 هو 10 في الألف بالنسبة لما أنتج في سائر أنحاء العالم، وكان نصيب الدول الإفريقية 7 في الألف، أما في عام 1986، أي بعد 16 عاما، فقد تراجع ما ترجم في الوطن العربي إلى 6 في الألف لتحتل بذلك المركز الأخير، بينما تقدمت الدول الإفريقية إلى 12 في الألف.

         وتحل الثقافة العلمية الآن محل المفهوم التقليدي عن الثقافة الذي كان مقصورا على التعامل مع المجالات الفكرية والأدبية والفنية.

         نعاصر الآن نوعا جديدا من الثقافة هو الثقافة العلمية.

         ومع الإدراك الحديث بأن الثقافة العلمية تحل بالتدريج محل الثقافة بالمفهوم التقليدي، وأنها بدأت تجيب عن الأسئلة الرئيسية التي كانت مقصورة على الفلسفة والعقائد مثل أصل الحياة والكون، فإن من واجب الترجمة العلمية الالتصاق بالكتب العلمية والتقنية البحتة، ومعاملة النصوص العلمية التي تخلط بين العلمي والعقائدي بحوار بناء.