ملتقيات العربي

ندوة المجلات الثقافية ودورها في الإصلاح الثقافي

تاريخ الدوريات والمجلات العلمية

الدوريات العلمية وإشكالية نشر الثقافة العلمية
في الوطن العربي
د. ليلى غانم

         تسعى هذه الدراسة إلى معالجة موضوعها في ثلاثة محاور متكاملة في المنهج. فالدوريات العلمية الصادرة في الوطن العربي تعاني من محدودية الإقبال والانتشار وهي بمجملها أسيرة ما يصطلح على تسميته (غياب الثقافة العلمية) وهو المحور الأهم والذي تتناوله الدراسة من خلال رؤية نقدية لمعتقدات خبراء نشر الثقافة العلمية في الوطن العربي آملة إثارة حوار هادئ في فلسفة منقولة من حقول المجتمعات الصناعية إلى مجتمعات ريفية - ريعية. وقد أفضت هذه الفلسفة إلى شلل الطاقات في المجتمعات العربية وإلى نشأة (ثقافة علمية) غيبية تعيد إنتاج نفسها بالإحباط والتحسر على الواقع العربي. يحدو بنا هذا الأمر إلى البحث في المحور الثالث عن حلول وبدائل فكرية وعملية لإعادة البناء وهي عملية تتحدد فيها المسؤوليات وتشترك بها قطاعات واسعة وفئات اجتماعية تلبّي لها الثقافة العلمية احتياجات مهنية ومعيشية، ويضمن لها تطوير التقنيات استقرارها ومستقبلها.

الدوريات العلمية

         الدورية هي بحسب قواعد الفهرسة الأنجلو-أميركية، مطبوعة تصدر بوسيط ما، في أجزاء متتابعة وتحمل مؤشرات رقمية أو زمنية يُقصد بها الاستمرار. ويشمل هذا التعريف النشرات والصحف والمجلات والحوليات وسلاسل الكتب الدورية وكذلك التقارير ومحاضر الاجتماعات المنتظمة والنشرات الرسمية وأعمال الجمعيات... إلخ إنما لا يتفق الأوروبيون مع هذه القواعد ويستثنون منها الصحف اليومية والحوليات ومحاضر الاجتماعات والتقارير وهي استثناءات تتفق مع ما هو متعارف عليه في الوطن العربي.

         نشأت الدوريات العربية في غمرة انتشار الصحافة في القرن التاسع عشر. فمنذ إنشاء صحيفة (التنبيه عام 1800) إثر احتلال نابليون لمصر، توالت ولادة الصحافة في القاهرة وبيروت واسطنبول... وأخذت تشكّل ظاهرة في نقل المعرفة.

         بالنسبة للقيمة العلمية للدوريات العلمية، فلم تعتمد الدوريات هيئات مراقبة كافية للمادة مثل وجود مجلس علمي أو هيئة استشارية علمية تسهم بانتقاء المادة والتحقق من جودتها قبل نشرها. يقول د. محفوظ في أطروحته: (نادراً ما تكون هناك لجان لفحص المقالات العلمية المنشورة بالمجلات المتوجهة إلى القارئ العام والسبب أن الثقافة العلمية لم تتحول إلى موضوع يستوجب التحكيم عند النشر).

         ولعل هناك سببا آخر في انعدام التعامل الجدي مع المادة العلمية المنشورة، لا يفصح عنه بسهولة، هو وجود حالة من التشكيك بفعالية الثقافة العلمية وبالمردود الذي يمكن أن تقدمه حين يتم إسقاطه على بنية غير مؤهلة، على الرغم من الفوضى الوراقية أحصت داليا عبد الستار الحلوجي، 133 دورية علمية عربية على (الشبكة القومية للمعلومات). وهي دوريات تجمع بين مطبوعات البنوك والكليات والاتحادات وبين تخصُّصات العلوم الإنسانية والعلوم التطبيقية. كما أحصت 535 دورية علمية باللغات الأجنبية في الوطن العربي يغلب عليها التخصُّص العلمي دون أن يمنع اختلاطها بدوريات وكتب الاتحادات الصناعية والجمعيات.كما سجلت 221 جهة وهيئة لإصدار الدوريات.

         والحال أن المهتمين (بالثقافة العلمية) يؤكدون أن العقدين الأخيرين من القرن العشرين شهدا فورة من إصدار الدوريات العلمية المتقطعة.

         ومن الملاحظ توجه عدد من المجلات الثقافية العامة، وإن تكن قليلة جداً، الى تخصيص باب منتظم وثابت لتناول قضايا علمية، ومن أبرز تلك المجلات مجلة (العربي) الكويتية التي تهتم بالبيئة أيضا حيث تواظب على إصدار باب باسم (الإنسان والبيئة).

         ومازالت السنوات القليلة الماضية تسجل إصدارات جديدة واحتجاب دوريات سالفة.

         ويكاد يجمع أصحاب المبادرات غير المدعومة على أن غياب (الثقافة العلمية) في المجتمعات العربية يفضي إلى احتجاب الدورية بعد فترة قصيرة من إصدارها.

معيقات إنتاج الدورية:

         إن العوائق التي تواجه الدوريات العلمية في الوطن العربي هي في واقع الأمر كثيرة ومتعددة، ويمكن تصنيفها في محورين:
أ - معيقات إعداد المادة: المعلومة والتحرير
ب - معيقات الإدارة والتسويق:

(الثقافة العلمية) من استراتيجية الخيال إلى استراتيجية البناء

         تعتبر النخب الثقافية المعنية بنشر (الثقافة العلمية) في الوطن العربي أن (العلم) هو آليات المعرفة التي نتجت في المجتمعات الغربية بعد الثورة الصناعية وأن باقي ما عداها (جهل) وتخلُّف، وتعتقد أن وظيفتها تقتصر على دعوة المسئولين والحكام في الوطن العربي إلى اقتباس هذه الأصل فتكرّس جهدها ونشاطها في إبداع توصيات ومقترحات لنشر (الثقافة العلمية). وهذا يعود إلى اعتبار الرؤية (الثقافة) كمجرد عملية ذهنية مدروسة مفصولة عن النشاطات الإنتاجية

حلول وبدائل لنشر الدوريات والثقافة العلمية

         يخلص المشروع الإستراتيجي إلى القول: (لم يكن هناك عجز في فكر النخبة العربية عن تحديد ما يجب عمله ولكن العجز أتى ويأتي دائماً من انعدام - أو في أفضل الظروف ضعف - التنفيذ).

         لا شك أن حكومات الدول العربية مسئولة عن التنفيذ أو (عن العجز في التنفيذ).

         إن التفكير بإعادة البناء والعمران يحتم إعادة النظر في الفلسفة (العلمية) التي تفضي إلى شلل آليات عمل الهيئات والإدارات وتنتج أدبيات منحولة ومكررة وتقدم حلولاً وهمية غير قابلة للتطبيق ومحصورة الفعالية.

         لا تستطيع المجلات والدوريات العلمية في الوطن العربي اختراق المعجزات فهي تنقل الواقع العلمي في المجتمعات العربية وتعبّر عنه إنما يمكنها التأثير في هذا الواقع والعمل على تغييره وهو دورها ووظيفتها بنشر الثقافة العلمية. غير أن الثقافة العلمية هي أيضاً ثقافة نقدية في سبيل إعادة البناء والبحث عن حلول وهي كذلك إجراءات لتنظيم المهنة والمحافظة على استمراريتها ووظيفتها.