ملتقيات العربي

ندوة المجلات الثقافية ودورها في الإصلاح الثقافي

نشر الثقافة العلمية في وسائل الإعلام

الثقافة العلمية في وسائل الإعلام العربية
أ. أحمد يوسف

         (بحسب التقرير الأخير والمثير للجدل لمعهد (ميمورا) بهلسنكي)، فإن البشرية تعيش آنيا في بعدها (الرابع).. كما يقول التقرير أو في (الحقبة الجديدة) بعد عصور الزراعة.. والصناعة.. والمعلومات..!!

         أي أننا نتجايل حاليا عبر الكوكب ودون أن ندري مع ربيع عصر (الفكر الابتكاري والاختراعات)!!! وهي على عكس ما تعتقد صفوة النخب العربية من أننا بالكاد نعيش في بدايات ما يسمى بـ (مجتمع المعلومات أو المعرفة).. ولعل دولاً قليلة هي التي (تحوكم) مثل هذه الثقافة الجديدة:كماليزيا مثلاً التي ترفع شعاراً حكوميا وأهليا مبنيًا على ابداعات المبتكرين والمخترعين في كل القطاعات وفي كل اتجاه!!

         وكذلك أمريكا هرم العالم (التكنو - علمي) أو (يوتوبيا الحضارة العلمية العالمية)...

         والكل يدلل على أن بوصلة الفكر الابتكاري والاختراعات هي الثقافية الثالثة (the third culture) أو (المعرفة العلمية) أو (ثقافة النوع) كما يسميها أدباء الخيال العلمي..

         على أن التميز الفارق بين نوعين في التفكير هما: -

         - التفكير المحدد أو المتقارب (convergent thinking)

         - والتفكير المنطلق أو المتحرر (Divergent thinking)

         وهذا التميز الذي وضعه جليفورد أفسح المجال أمام الربط الجدي بخطوطه المتقاطعة والمتشاركة لاختلاف طاقات وإمكانات ومهارات التفكير (الإبداعي - الابتكاري) خاصة أن التفكير المنطلق أو المتحرر يرتكز على تفاعل منظومة عقلية هي:

         - الطلاقة اللفظية والارتباطية والتعبيرية والفكرية.

         - المرونة بثنائيتها التلقائية والتكيفية.

         - الأصالة وما يرافقها من الشفافية والحساسية للمشكلات وإعادة التحديد والبلورة.

         - ومع تطور النظر إلى مفهوم التفكير في عصر المعلوماتية واقتصاد المعرفة من زاوية التحدي الذي يواجه التفكير البشري من جانب (التفكير الإليكتروني) إن جاز التعبير، وتحديدا عن طريق الأدوات والأجهزة الذكية التي تتمتع بـ / خاصية الذكاء الاصطناعي فإن المنظمات والمؤسسات والجماعات والأفراد المهتمين بـ قضايا التفكير الابتكاري وما يطرأ عليه من مستجدات ومستحدثات في مجالات ومرتكزات الرؤية التي تحاول استثمار عناصر ما يطلق عليه اليوم (البعد الحيوي) Bio - Dimension ، وهو البعد الذي أحدث طفرة في مجال إغناء التفكير البشري بـ ديناميات مستحدثة تتمثل في التعامل القائم على تبادل الأفكار والتحاور والتداول الحواري مع الكائنات الإليكترونية الذكية، ومن ثم مشاركة الطرفين: الكائن البشري.. والكائن الإليكتروني.. في عملية الإبداع واضفاء اللمسة (الذاتية) الإبداعية لكل منهما.

         على الجانب الأخر فإن المنظمات والمؤسسات المهتمة بـ / معادلة التفكير والابتكار وجدت نفسها أمام خيار جديد، وهو خيار فريد من نوعه لأنه في مظهره يعتمد على مرتكزين متناقضين هما:

         - طوعية التعددية والتنوع الثقافي.

         - حتمية الوحدة الثقافية والفكرية.

         وهذه المعادلة الجديدة: الطوعية والحتمية (الجبرية) فرضتها تقنيات المعلوماتية واقتصاد المعرفة، ومن ثم فإنها شقت مجرى جديدا في (نهر) الفضاء المعلوماتي.

         وعليه فإن العقل العالمي الجديد يتشكل بمنهجين أساسين: أولهما (التربية) التي تفرخ أجيال المستقبل وثانيهما وهي الأكثر هيمنة وتأثيرًا بصفتها (الأب الثالث) أو التليفزيون كما يطلق عليه أدباء الإعلام، ودوره في قيادة الوعي الجماهيري (القطيع) باتجاهه مع بوصلة القرن الحادي والعشرين (الثقافة العلمية) وبصورة رقمية فإن استطلاعات الرأي على نسب المشاهدة في الميديا الغربية قد أظهرت أن المشاهدين يفضلون في المرتبة الأولى مشاهدة برامج الخيال العلمي..!

         وأن غالبية مشاهدي هذه البرامج هم من الطلبة الذين يحصلون غالبا على درجة الامتياز في دراستهم وأهم هذه القنوات هي:

         Learning channel / nasa / discovery channel

         وإذا كانت الهوة تتمدد بيننا وبين أمريكا، وأوربا،واليابان، والصين وأضحى قياسها بيننا وبين الأمريكيين على الأقل يقاس (بالسنين الضوئية)!!

         فإننا نعرض هذه الورقة لبحث حال ووضعية الميديا العربية في نشر (الفكر الابتكاري).. ومعرفة (الثقافة العلمية).. وجسر الهوة (الرقمية / والمعرفية) بيننا وبين الآخر وبيننا وبين أنفسنا كمواطنين عرب، حيث المجتمع العربي الجديد أضحى (يتكسر) معرفيا ولا (يتكاثر) من ناحية الفكر المعلوماتي- المعرفي -العلمي لأبنائه ولهذا سنناقش البرامج التلفزيونية الحالية في الوطن العربي التي تتبنى استراتيجيات الثقافة العلمية.. فهل تم تضفير الثقافة العلمية في برامج (العلم، الرياضة، الفن، الشعر الأدباء، الدين..الخ).....؟!

         وما هي المعوقات في نشرها.. هل هو شح في الكوادر الإعلامية المدربة أم ندرة في المادة العلمية والمبتكرين.. ولم الغياب المقصود لبرامج (الترفيه العلمي) و(التسلية العلمية)... ولماذا يتجه الشباب العربي بافتتان تجاه قنوات التبسيط العلمي الغربية والتي تثير خياله ببرامج مشوقه: هل السبب هو عدم احترامنا للمشاهد العربي.. أم ماذا..؟

         وبالتالي الحصول على صورة صحيحة قدر الإمكان للعالم الذي نحيا فيه. وهذا يتطلب بث الروح العلمية في المجتمع عن طريق هذه البرامج (الفعاليات) للتخلص من العزوف والتخلف التكنوعلمي للأمة وكذلك مخاطر الاستعمال السيئ للتكنولوجيا.. وعليه إذا استعنا بزرقاء اليمامة (لفحص واستكشاف برامج) الثقافة العلمية في الفضائيات العربية من ناحية: البرامج التليفزيونية الحوارية والدردشة والإخبارية والمسلسلات فإننا في ضوء هذه المعطيات سنجد أنه لا يحدث تفاعل كيمائي أو حتى طبيعي! (حيث ضعف برامج الثقافة العلمية وليس برامج العلم) وبالتالي فالنتائج ترتد على نفسها، حيث لا نجد في الفضائيات العربية أي قسم متخصص داخل الهيكل التنظيمي للقنوات تحت مسمى (قسم الثقافة العلمية).. بالرغم من وجود أقسام خاصة داخل كل قناة مثل قسم الأخبار والمنوعات هذا من جهة..

         ومن جهة ثانية فإن معظم القنوات العربية لم تجرب تدشين ليس فقط قطاع متخصص ببرامج الثقافة العلمية ولكن برامج مشوقة ومثيرة عن إبداعات الثقافة العلمية، وإذا قدمت إحداها حلقة أو حتى برنامجا عن الثقافة العلمية فهو في معظم الأحايين برنامج تم شراؤه من القنوات الغربية كـ الـ BBC مثلاً...

         ولعل القناة الوحيدة المتخصصة في تقديم البرامج العلمية عندنا هي قناة (المنارة) أو (البحث العلمي) ..

         في حين أن القناة العربية الوحيدة المتخصصة في تقديم برامج المستقبليات والثقاقة العلمية هي (قناة النيل الثقافية) على قمر النايل سات.

         لابد من أن ننوه بأنه في تاريخ الإعلام العربي المرئي فإن هناك بعض الومضات البرامجية التي تثبت أن المشاهد العربي يهوى التفاعل مع برامج الثقافة العلمية التي تقدم له بطريقة صادقة... كبرنامج (العلم و الإيمان) للدكتور مصطفى محمود وكذلك الشروحات الثقافية العلمية للدكتور أحمد إبراهيم.

         وهذا مؤشر على أننا عربيا ولعمل صناعة برامج تليفزيونية علمية مبتكرة نحتاج لشخصيات إعلامية كاريزماتية يحترمها المشاهد العربي.

         إذا كان الإعلام متمثلاً في الأب الثالث (التليفزيون) هو البوصلة الأهم تجاه (التنمية والديمقراطية والسلام) باستغلال (الثقافة العلمية) فإننا يجب أن نوضح المعوقات سواء من ناحية الجمهور أو من ناحية المنظومة الإعلامية متمثلة في الإدارة الإعلامية وفريق العمل التنفيذي (المخرج، المعد، المذيع)...

         ففي جانب المشاهدة فإننا نعاني مشاهدا عربيا فقيرا علميا وتقنيا بالوراثة يعتقد أن برامج الثقافة العلمية هي برامج خاصة بالمخترعين أو الأطباء أو الأكاديميين.

         وإذا جئنا للجانب الأهم في تقديم برامج الثقافة العلمية وهي شخصية (معد البرامج) فلا نجد هناك منحازين ومتخصصين ورافعي لواء هذه البرامج لأن جلهم يحاول اللعب في المضمون جماهيريا حسب الثقافة السائدة اعلاميا باتجاه برامج (المنوعات الرياضة، الأخبار، الترفية أو حتى الثقافة) كما أنهم بالأساس لم يتعملوا أو يدرسوا استراتيجيات برامج الثقافة العلمية وطرق تقديمها وبالتالي فإن مولد شراره الأفكار في القنوات (المعد) تغيب عنه بالأساس مغناطيسية الثقافةالعلمية وبعدها الجماهيري.

         وهم يخافون من الحديث في العلم بالأساس ولا يمتلكون ثقافته أو ذائفته..!!

تجربة النيل الثقافية

         اقترح كاتب هذه السطور لتطوير مستواه وباقي زملائه اطلاق مشروع واستراتيجية اعلامية تحت مسمى (المذيع الذكي) وهو المذيع الذي يستخدم عند تقديم البرامج بالإضافة إلى سكريبت البرنامج الذي يشتغله المعد شيئين: هما (الاسكريبت المتخيل) (اسكريبت اضافي من خلال البحث عبر النت ممزوج بأفاق المستقبل) بالإضافة لأدوات الاتصال السريعة أثناء تقديم البرامج (اللاب توب، الروبوت إن أمكن، تبادل المعلومات الإعلامية عبر الموبايل لسرعة نقل الحدث)

         وفي ضوء ذلك تم تدشين برنامج (على المدى البعيد) وهو برنامج مستقبليات تسجيلي لمدة 40 دقيقة في عام 1999.

         قرابة الـ900 مبتكر ومخترع هي نتيجة الحصاد عبر السنوات الأربع الأخيرة في قناة النيل الثقافية (منذ 2002 وحتى سبتمبر 2005).. لقد ظلمنا اعلاميا وبكل بجاحة من يمكن ان نطلق عليهم لقب (مشاهير العولمة) لعقود وعقود وحان الوقت لأن نخرجهم من الرماد.. فالتجربة الإعلامية أثبتت أن لديهم خيالا وحلما وتوسمات وإصراراً.

         لقد أثبتت التجربة عدم صحة أن كل الجيل القادم من الشباب هو جيل راقص بل على العكس فهو جيل المبرمجين والمخترعين.