ملتقيات العربي

ندوة مجلة العربي ولغتها العربية نصف قرن من المعرفة والاستنارة بالاشتراك مع اليونسكو

تجربة المجلات الثقافية في المهاجر العربية

المجلات الثقافية في المهاجر الأمريكية
وكيف أثرت في الحفاظ على هوية المهاجرين
وربطتهم بالثقافة العربية الأم

د. فواز أحمد طوقان

         نقل "المهجريون" إلى القارتين الأمريكيّتين تراثهم الاجتماعي والفكري باعتزاز متزايد؛ ولكن غلبت عليه آفتان: الفردية والطائفية. واتسمت نشاطات الجوالي (مفردها جالية) العربية في المَهاجر بهاتين السمتين السلبيتين على امتداد السنين منذ فجر المهاجرة. ولم تنجُ الصحافة العربية المهجرية من الآثار السلبية التي تكنّفت مجتمعات الجوالي جرّاء تلكما الآفتين، بالرغم من أن رجال الصحافة العربية المهجرية المبكرين لم يكونوا ينطلقون في مهنتهم من فراغ، بل جاءوا من بيئات عربية كانت الصحافة فيها ناضجةَ التجارب، متألقةً الصحف والمجلات، مؤديةً دورها المجتمعي بجدارة وشجاعة. وكان شحّ الإمكانات المادية في المَهاجر يزيد من معاناة الصحافة والصحفيين. من هنا كانت الصحف والمجلات العربية في المهجر تعاني من ثلاث آفات: الفردية والطائفية والعسرة.

         مرّت صحافة المهجريين في الأمريكتين بعدة مراحل في مسيرتها المهنية. وكان مطلع القرن العشرين نقطة التحوّل الجذرية. وأسباب ذلك أن تجارب الرواد قد نضجت، والتقبُّل لدى الجوالي لمفهوم الخدمة الصحفية المجتمعية أصبح إيجابيا، والإمكانات الفنية والمادية في عالم الصحافة المهاجرة قد تحسّنت بشكل ملحوظ. إن مجاهدة الصحفيين العرب في الأمريكتين بين معاناة تأسيس كوكب أمريكا للعربيلي (1892م) وبين الهدى لنعوم مكزل (1897م) ومرآة الغرب لنجيب دياب (1899م) والمهاجر لأمين الغريّب (1903م)، أنضجت طائفة من الأدباء والشعراء عرفوا فيما بعد بالأدباء المهجريين، كالريحاني وجبران. لقد كانت الصحف اليومية وتلك المتقطعة الصدور، تفرد زوايا على صفحاتها للأدب سواء أكان من التراث أو الترجمة أم كان من إنشاء أقلام المهجريين. لكنّ مطلع القرن العشرين كان نقطة انطلاق الأدب المهجري بقيادة الصحافة المهجرية (وبالذات الأمريكية الشمالية) حيث نشأت المجلات الأدبية أو تحولت بعض الصحف السياسية والإخبارية العامة إلى مجلات أدبية وثقافية متخصصة.

         قامت الصحافة المهاجرة بدورها في خدمة الجوالي اجتماعيا خير قيام بالرغم من معوّقات الآفات التي كانت تعصف بالصحف وبالمجتمع. فكانت تعبّر عن آلام هذه الجموع الغفيرة من المهاجرين العرب وآمالهم في بلاد "الحرية والوفرة" مثل حملاتها في مكافحة القوانين الجائرة كقانون منع تجنيس المهاجرين من بلاد الشام. كما كانت تقوم بدور الرابط ما بين العرب في المهجر وأوطانهم الأولى أو بين ما يجري في الوطن الأم وبين المهاجرين المتلهّفين للاطلاع على أخبار الوطن وإنجازات أهليه. بيد أن خدمة الأدب في الصحف المهجرية بقيت محصورة بين أبواب المواضيع العديدة. ومن هذا المحدّد أو المعوّق، لا الموقف السلبي، كانت بداية المجلات الأدبية في المَهاجر الأمريكية الشمالية والجنوبية.

         الجامعة والبيان والسائح والفنون والسمير أسماء اقترن بها فرح أنطون، أحد أعلام الفكر في النهضة العربية، وأمين الريحاني، وجبران خليل جبران، ونسيب عريضة، وعبد المسيح حداد، وإيليا أبو ماضي، وميخائيل نعيمة، في المهجر الأمريكي الشمالي، والجريدة ومجلة العصبة الأندلسية اسمان اقترن بهما وبغيرهما من مجلات وجرائد الجوالي العربية في المهجر الأمريكي الجنوبي أدباء من أمثال شفيق وفوزي المعلوف ورشيد سليم الخوري (الشاعر القروي) وحبيب مسعود. وتوفّر للدارسين مئات من الجرائد والمجلات العربية في المهجرين الأمريكيين الشمالي والجنوبي مادةً غزيرة من الأدب العربي المهاجر يتخللها إسهامات جميع اللامعين من أدباء الجوالي ممن حفظ لهم أدبهم الجديد أمكنة متقدمة في صفوف أدباء العروبة في النصف الأول من القرن العشرين. إن استعراض مادة المجلات الأدبية والثقافية العامة في المهجر يبيّن مدى انعكاس حياة المهاجرين العرب في حلوها ومرها على صفحات هذه المطبوعات ومدى حنين الأدباء والشعراء إلى أوطانهم وشغفهم برؤية بلادهم تنهض وتزدهر أسوة بعالمهم الجديد.