- بواسطة لجين محمد السماعنة
- الدولة الأردن
حين دخل أبو سعد المضافة اتجه من فوره إلى المختار ليسلم عليه، لكن القطروز سحبه من يده بعيدًا عن المختار، وقال له وهو يضع إصبعه على فمه: صصص.
فصمت أبو سعد، وسكن، وحبس أنفاسه، ونقل قدميه على البساط بخفة وهدوء، ثم جلس في أقرب مقعد، إلى جانب مجموعة من الفلاحين الصامتين الساكنين.
وبحذر راقب أبو سعد المختار الذي كان يجلس القرفصاء، وعيناه معلقتان بسقف المضافة، وهو خاشع صامت جامد ساكن، وبينما كان غارقًا في توقعاته وتساؤلاته انتفض المختار، ووقف بسرعة، فوقف أبو سعد خائفًا، وأخفى القطروز رأسه خلف دلال القهوة والمجامر.
تمتم المختار وهمهم، ثم رفع يديه ولوح بهما، ثم عاد إلى عزلته، فناداه القطروز بتذلل: يا مختارنا، أبو سعد يريد أن يقابلك.
نظر المختار نظرة شزراء إلى أبي سعد، ثم أشار إليه بإصبعه ليقترب.
- يا مختارنا، حلمت حلمًا غريبًا مرعبًا!
المختار بامتعاض: احك بسرعة!
- يا مختار، حلمت أني ذبحت بقرة صفراء يكرهها الناس، وأنك يا مختار من قام بتوزيع لحمها على أصحاب الدكاكين والحراس، وأنك يا مختار لم تطعم بقية الناس...
المختار بغضب: «يكفي!، أنا أفعل ذلك؟ هيا، اخرج واغرب عن وجهي!».
ولم تمض ساعة على خروج أبي سعد من المضافة حتى كان صوت المؤذن يملأ القرية، وهو يردد: على كل من يحلم حلمًا غريبًا، أن يخبر عنه المختار...
وتزاحم الفلاحون على باب المضافة ليسردوا للمختار أحلامهم...
وتجمع الرجال في المضافة يتساءلون عن هذا المرض، فقال لهم القطروز: يقول لكم المختار إنه اختلاط الحلم بالحقيقة، فلا يعلم الرجل منكم إن كان في حلم، أو علم.
فسألوه: ماذا نفعل لنشفى؟ فقال لهم: بل اسألوا ماذا نفعل لنبقى أحياء؛ فهو مرض خطير، خطير!
فقالوا له: ماذا نفعل لنبقى أحياء؟ً!
فقال القطروز بهدوء: لا شيء، لا تحتجوا، ولا تتكلموا، ولا ترفضوا، ابقوا صامتين مهما حصل لكم؛ فأعراض مرض الحلم مرهقة متعبة، تقترب فيه أحلامكم كثيرًا من الواقع والحقيقة، وما عليكم سوى إبلاغ المختار بأحلامكم، وبكل ما يحدث معكم، لتتبينوا حقيقة أمركم.
وتفرق الجمع وكلهم خوف وقلق وغضب وحزن.
- يا مختار، القطروز أخذ بقرتي الصفراء!
- هذا حلم، فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم، فأنت لا تملك بقرة صفراء ولا حمراء.
- يا مختار، القطروز سرق غلال القرية!
- هذا حلم، فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم، فالقرية هذه السنة لم تزرع شيئًا لتحصده.
- يا مختار، أولادي جوعى!
- هذا حلم، فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم، فأولادك في البيت وعندهم الخبز والبيض والسمن.
- يا مختار، القطروز أخذت أرضي!
- هذا حلم، فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم، فأنت لا تملك أرضًا.
- يا مختار، حلمت أني أقول لك لا، يكفي، كفى!
المختار بغضب: ضعه في الحفرة فهذا يخطط للقتل، والتدمير.
وفي المساء تردد صوت المؤذن بين جبال القرية، وهو ينادي: أيها الناس، يا أبناء قريتنا الكرام، مختارنا يهديكم السلام، ويعلمكم أنكم، كما تعلمون، كلكم مصابون بمرض الأحلام والأوهام، فتعوذوا كثيرًا بالله من الشيطان، واصمتوا، وابتعدوا عن الثرثرة وكثرة الكلام.