- بواسطة رنا زين
- الدولة مصر
على مقعدٍ خشبي يتوسط الحديقة ويستند على شجرةٍ عتيقة تتدلى فروعها فوقه تظلله، وتتخللها أشعة شمس الصباح الباكر الدافئة، تجلس هنا وحدها. ملامح وجهها تكسوها التجاعيد وكثيرٌ من أثر سنوات الفقد والحزن، حتى عينيها بنية اللون عليهما ثقل من أجفانٍ أرهقتها الدموع، ومن أطرافِ حجابها الأسود، تنسدل بضع خصلات من شعرها الأبيض اللامع، على جانبي وجهها.
كانت بجانبها حقيبتها الصغيرة السوداء، تضع بداخلها زجاجة مياه صغيرة، وبعضًا من الأدوية، وقليلاً من المخبوزات التى اعتادت أن تبتاعها من المخبز المجاور لمنزلها وهي في طريقها للحديقة كل يوم، فتأكل منها ما استطاعت طوال اليوم وتحتفظ بالباقي لحين عودتها للمنزل، فقد توقفت عن إعداد الطعام في منزلها منذ سنواتٍ عديدة، فلم تعد تحتمل إمكانية أن تعد وجبة طعام، فتأكلها وحدها من دون أن يشاركها أحد فيها.
كانت قد سئمت وحدتها في المنزل، بعد أن تخلى عنها كل المقربين، وانشغلوا بحياتهم وأمور عائلاتهم، ولم يعد يطرق بابها أحد منهم ليطمئن عليها أو يقدم لها مساعدة لا بد تحتاجها امرأة عجوز تجاوزت السبعين منذ زمن.
كانت أيام من العمر تمضي من دون عائلة تمنحها دفء الونس والأمان، لذا هي تأتي إلى هنا كل يوم، تشاهد الوجوه الكثيرة من حولها، فهي لا تدري سبيلاً آخر لالتقائها بالناس سوى تلك الحديقة المزدحمة بسكان وزائري المكان، حتى أن صخب الأجواء حولها لا يزعجها إنما يؤنسها، ينتزعها من الوحدة التي تسكن قلبها.
وبينما هي تجلس ويخيّم على أفكارها كل هذا الحزن، وجدت كرة ملوّنة تتجه نحو قدميها كأنها تقصدها هي من دون غيرها من الموجودين، وخلف الكرة تجري طفلة جميلة، تضحك وتحاول اللحاق بالكرة.
توقفت الكرة عند قدمَي العجوز، فحاولت الانحناء قدر ما استطاعت وأمسكت بالكرة واعتدلت في جلستها، ثم نظرت للطفلة بابتسامة حانية وأعطتها إياها، فبادلتها الطفلة ابتسامة جميلة هادئة ونظرة دفء تحمل في طياتها كل براءة الأطفال، وقالت لها بصوتها الصغير: «شكرًا يا جدة» ثم انصرفت بعيدًا عنها دون أن تدري ما فعلته كلماتها تلك في قلب العجوز التي مازالت تتعقبها بعينين ملأتهما الدموع وهي تتمتم في نفسها: «ليتني جدتك».