- بواسطة د. حافظ عبداللوي
- الدولة المغرب
بأحد الأحياء الشعبية كان بوعزة يتخذ من محل صغير ورشة إسكافية له ولا يفصله عن مسجد القصر القديم سوى أمتار قليلة، إسكافي الحي ومحبوب الكبير والصغير، حيث يقصده كل من بدت علامات الضحك على أحذيته فكان يتفنن في الإصلاح ودق المسامير أو خياطة الممزق منها، كان أيضًا يصلح كل دلو بلاستيكي تعرض للشق أو الثقب، فترى الضحايا وقد وضعهم أمامه أو علق بعضها ولربما ترك الأخرى أمام محله الجميل والبسيط، كان في سقف المدخل حبل قصير يشده بوعزة للدخول وتجاوز عتبة مرتفعة بنصف متر في المدخل يتخذها الأصدقاء أو الزوار متكأ لهم، فقد كان دكانه مهوى شريحة من الشيوخ الذين يقبلون عليه قبل الظهر والعصر وبعده يتجاذبون أطراف الحديث ومناقشة الأخبار الجديدة في الحي والبلدة ونغمات مذياع قديم معلق من خيط مطاطي على الحائط بجانبه، حيث يمكنه من سحبه إليه أحيانًا لضبط الصوت أو الموجة الإذاعية.
ذات صباح قصد الدكان خالد أحد التلاميذ في الثانوية وقد أصاب حذاءه الرياضي ثقب وكاد يظهر ضحكه كما يحلو لبوعزة أن يصف ذلك، طلب منه العودة صباح اليوم الموالي لكونه ملتزم بإصلاح بعض الأحذية وكرسي بلاستيكي فقد أحد أرجله إذ سيلصق مكانها قطعة خشبية ويضبطها بالمسامير والسائل الأحمر اللاصق ذي الرائحة العجيبة التي تفوح في أرجاء الدكان وحاشيته...
بلغ اليوم الموالي وقصد خالد دكان عمي بوعزة - كما يناديه أهل الحي - بعد مغادرته الثانوية وكله أمل في استعادة حذائه الرياضي وأن يصبح في حلة جديدة وجميلة، توقف بجانب الدكان وهو يلمح ابتسامة بعض الشباب وهم يقلبون بين أناملهم أحذيتهم بعدما تم إصلاحها وخياطة ما أصابها من ثقب أو تمزيق، لحظة نادى عليه أن تقدم تقدم يا بني يا خالد وطلب منه الدخول وسحب أحد الأكياس البلاستيكية المعلقة فوق أحد الرفوف أعلى المذياع، مده إليه وأخبره بوعزة أن الحذاء بداخل الكيس خفق قلب خالد سعادة بما سيراه وسيكون عليه حذاؤه خاصة، وأن المساء لديه حصة التربية البدنية في الثانوية ونهاية أسبوع مباراة في كرة القدم مع الزملاء وأقران الحي هناك في ملعب خلف المستوصف، ملعب تعلوه الأتربة والحجارة حيث تتراء لك الزوابع الرملية من بعيد وكأن خلفها فرسان جيش فاتح.
فتح خالد الكيس وابتسمت عيناه قبل شفاهه لما لمح غياب الثقب في مقدمة الحذاء وأحس بنشوة الفرح وهو ما لم يكتمل لما أخذ يقلب الحذاء بين أنامله ليجد عمي بوعزة قد وضع قطعة خشبية في أسفل الحذاء مثبتة بمسامير محكمة.
قدم له الدريهمات مع دعوة بالرحمة للوالدين كالمعتاد وتوجه صوب البيت وصورة القطعة لا تغادر ذاكرته، في المساء وخلال الحصة الرياضية استغرب الزملاء من تزحلق خالد مرات عديدة فوق أرضية الملعب وسماع قرع لحذائه، ما اضطره للتوقف وإخبار الأصدقاء بنكتة الأسبوع ، ما دفع ببعضهم السؤال عن عنوان الإسكافي علهم يظفرون أيضا بقطع خشبية أو حديدية تساعدهم على التسديد القوي للكرة.