«سنحيا بالخير»

تُعتبر الجامعة البوابة نحو المستقبل، ولكن قبل وُلوجها، على كل طالب أن ينتبه لكلّ عقليات الطلبة فمنهم الطيّب والحاقد والمُشجّع والفاشل ولك الحرّية الكاملة في اختيار صديقك.
عن نفسي، عندما انتقلت إلى الجامعة كنت أحرص دائمًا على الحضور بشكل يومي ولا أُحبّذ أبدًا فكرة التغيّب عن الدروس حتّى لا أُشتّت فكري بأيّ عامل خارجي، ولكن مع الأسف بسبب المرض تغيّبت في أحد الأيام عن مادة من المواد، فطلبت من نغم، وهي إحدى زميلاتي الرائعات قلبًا وقالبًا، دفتر الدروس حتّى أُسجّل ما فاتني من معلومات، وبكلّ لباقة قالت لي إنه عند رندة، ويمكنني أن أُنسّق معها لتُعيرني إياه.
انتظرت أسبوعًا كاملاً لكنّ ضيق الوقت جعلني أذهب عند رندة لطلبه منها مباشرة، فقالت لي بكلّ لطف: غدًا سأُحضره لك.
في الغد أعدت طلبه فقالت لي إنها لم تستطع نقل الدّرس وستحضره غدًا... وهكذا استمرت لثلاث أو أربع مرات، وفي المرة الأخيرة قلت لها حاولي إحضاره غدًا كأقصى حد لأنّ الامتحانات في الأسبوع الموالي، ويجب أن أكتب الدّرس وأُعيد الكرّاس لصاحبته حتى تراجع دروسها كذلك، وفجأة تفاجأت جدًا بصراخها في وجهي وقالت لي: أنت دائمة القلق على أشيائك!
في الحقيقة لم أستوعب وجهة نظرها آنذاك، باعتبار أنّني لم أطلب يومًا دفتر زميل أو زميلة في الجامعة، أُحرجت جدًا من موقف صراخها لأن زملاءنا في القسم كانوا في نفس المكان، ونظرًا لاحترامهم لي تدخّل أحدهم وقال لها باستهزاء «هل ستأكلينها؟».
ثم أجبتها بكل هدوء: لن أقبله منك وسأتصرف من جهة أخرى، ثم انصرفتُ. 
تغيب - للأسف - في تلك الحصة الكثير من الطلبة فلم أجد سوى دفتر طالبة معنا في القسم من النوع الذي لا يهتم بالتفاصيل، ولم تكتب سوى رؤوس أقلام لم تتعد نصف الصفحة، عكس زميلتي نغم التي كانت تهتم بكل تفصيلة يقولها الأساتذة وفي كل المواد.
لكن ما كان يهمني جدًا هو معرفة موضوع ذلك الدّرس حتى يتسنّى لي البحث بمفردي عن تفاصيله.
جاءت الامتحانات السداسية، والمفاجأة هو كون كلّ تفاصيل الامتحان حول ذلك الدّرس فقط، لم أرتبك بتاتًا وأجبت بما بحثت عنه وجادت به أفكاري، وبعد خروجي مباشرة تقدّمت رندة نحوي مهرولة وقالت لي: لقد كان الامتحان حول الدرس الذي لم تكتبيه، فكيف كانت إجابتك؟
(وكأنّها كانت تنتظر خيبتي بفارغ الصّبر).
فقلت لها: أجبت بما عرفت!
بعد أسبوع بالضبط علّقت الأستاذة النقاط والمفاجأة أنّني تحصّلتُ على أعلى علامة في المدرّج وليس في الفوج (أي على مستوى أربعة أفواج).
مشيت في الرواق والفرح يغمرني، وأنا في طريقي للخروج من الكلية وجدتها فتقدّمت نحوي بوجه بائس وقالت لي: أصحيح أن الأستاذة علّقت ورقة النقاط؟
فقلت لها: نعم.
فقالت: وهل أغلب الأفواج تحصلت على علامات كارثية تحت المعدل؟
فأجبت بنعم.
فقالت: وكم هي علامتك؟
فقلت لها: أحسن علامة في الدفعة.
فذهبت تجري في حالة يرثى لها، فأغلب الظّن أنّهم أخبروها بأنها تحصّلت على سبعة من عشرين.
في الحقيقة، في اللحظة التي أخرجت فيها رندة كرهها لي دون سبب ظاهر قرّرت النجاح والحصول على أفضل علامة دون الدخول في مناوشات عقيمة، لأنها لا تمثّل سوى نموذجًا عن الأشخاص الذين يراقبوننا بأعين الحاسدين لا بأعين المُحبّين. لكن نغم تحصلت على علامة ثلاثة عشرة من عشرين وأثبتَتْ للجميع بأنّنا لن نحيا إلاّ بالخير وبه سنحقّق النّجاحات الباهرة ■