- بواسطة صقر الحمايدة
- الدولة الأردن
فرحتُ كثيرًا عندما أخرجني عثمان مِن ذلك الكيس المعتم، الذي كان يحشرني فيه، فقد ضاق صدري من الجلوسِ الطويل، إلى جانب ذلك البِنطال الأزرق الضيق، الذي لم أحبه ولم أحب رائحته، قلبّني يمينًا وشمالاً ثم حملني وذهب بي إلى والدته، قال:
أريد أن أرتدي هذا المعطف طيلة أيام الشتاء يا أمي، ولكنّ جيبه الأيمن مثقوب، قالت الأم: إنّه الشتاء الثالث على هذا المعطف لكنّه لا زال جيدًا إلى حد ما، لا تقلق يا عثمان سأخيطه لك غدًا قبل أن تغادر للمدرسة.
صحوتُ صباحًا على صوت أم عثمان وهي تصيح وتسأل عن عدة الخياطة التي نست أين وضعتها، مؤكد تريد أن تخيط جيبي كما وعدت ابنها بالأمس، أخرجتني من الخزانة ثم جلست بي أرضًا على حصير أملس، لا أعرف لماذا ارتبكت، وأصابني الفزع حين رأيت تلك الإبرة المدببة، راقبتها وهي تحاول أن تُدخل الخيط في عين الإبرة، تمنيت ألا تتمكن من إدخاله ولكنّها فعلتها، وغرست الإبرة بعد ذلك في لحمي... وكان وخزها مؤلمًا حقًا.
ارتداني عثمان، ثم وقف أمام المرآة دقائق، يتأمل هيئته في نشوة، وقام بدوره حول نفسه، وقد اتسعت ابتسامته، شعرت أنني شيء مهم بالنسبة له، لا أدري لماذا ولّدت ابتسامته هذا الشعور في نفسي؟! ولكنّه أزعجني كثيرًا عندما بالغ في رشي بعطر قوي لم أحبه أبدًا، وصلنا إلى المدرسة وسرعان ما خطفت الأنظار، وأصدقاء عثمان يقولون: ما أجمله! وما أجود قماشه! ازدادت ثقتي بنفسي أكثر وأكثر ولا سيما عندما رأيت نار الغيرة تشتعل في عيون بقية المعاطف، صحيح أن إعجابهم بي أسعدني كثيرًا ولكنه أخافني أيضًا، نعم أخافني فقد خشيت على نفسي من الحسد.
كان لوني الأسود مميزًا حقًا، بالرغم من أنه بدأ يبهت من كثرة الغسيل، حيث كانت أم عثمان قاسية عليّ عند استخدامها الصابون والماء السّاخن، ووضعي على الحبل في شمس الظهيرة لتجفيفي بعد ذلك.
أوشك الشتاء على الانتهاء والخوف من العودة إلى ذلك الكيس المظلم، رفقة البنطلون الأزق المهمل ذي الرائحة النتنة، يزداد يومًا بعد يوم. انتهى الشتاء بالفعل، وعدت إلى الخزانة، أحتملها في صبر، فقد كانت بيتي رغم كل شيء، لكن هدوئي لم يدم طويلاً، فقد سمعتُ أم عثمان تقول له: سأعطي معطفك الأسود إلى ابن خالتك منيرة، ثم حملتني ووضعتني في كيس يماثل لونه لوني، كنت أبكي وذلك البنطال الأزرق الأبله يضحك بشماتة.