«مرآة الأقدار»

في زاوية مظلمة من قبو منزل جدتها القديم، كانت الفتاة تتجول بين الصناديق المغبرة والأثاث المهمل. فجأة، وقعت عينها على مرآة قديمة بحواف مزخرفة تشبه أوراق العنب المتشابكة. كانت مرآة ثقيلة، يبدو عليها أثر الزمن وتلتصق بها بصمات الذكريات، لكنها لفتت انتباهها بعمق بريقها الذي لم يتلاش. بشيء من التردد، مدت يدها ومسحت الغبار عن سطحها، لتجد انعكاسًا غريبًا لنفسها، ولكن بدا كأنها ليست هي تمامًا.
في البداية، رأت الفتاة نفسها كما هي الآن، تحمل نفس التجارب والذكريات. ولكن عندما ركزت أكثر، بدأت المرآة تظهر لها نسخًا مختلفة منها في أزمان وأماكن أخرى. في أحد الانعكاسات، كانت ترتدي زيًا رسميًا، تعمل في مكتب كبير وسط مدينة صاخبة، وفي انعكاس آخر، كانت تعيش في قرية نائية، تحيط بها الطبيعة الخلابة وتدير متجرًا صغيرًا للأعشاب الطبية، وفي انعكاس ثالث، كانت تقف على منصة مسرحية، تتلقى تحية الجمهور بحرارة، كل نسخة تعكس حياة مختلفة، خيارات مختلفة، ومسارات لم تُسلك.
كلما تحدق أكثر، كلما تغوص أكثر في أعماق هذه العوالم المتعددة. كانت ترى كيف أن قرارًا بسيطًا، ربما كان قرارًا تافهًا في نظرها أو على الهامش في أحيان كثيرة، قد قادها إلى حياة كاملة مختلفة، حياة لم تتوقعها أبدًا. في إحدى النسخ، كانت متزوجة وأمًا لثلاثة أطفال، وفي أخرى كانت تعيش وحدها، مستقلة، تسافر وتكتشف العالم. كانت المرآة تكشف عن تعقيدات الحياة والخيارات التي اتخذتها، وتلك التي لم تتخذها.
بدأت تشعر بثقل المسؤولية التي تحملتها دون أن تدري؛ تلك اللحظات الصغيرة التي تجاهلتها، القرارات التي اتخذتها على عَجل، والنهايات التي لم تُكتب بعد. كل انعكاس كان يجذبها أكثر إلى عالمه، وكأن كل نسخة منها تحاول أن تسحبها إلى واقعها الخاص. كانت تسمع همسات تخرج من المرآة، تناديها بأسمائها المختلفة، كأنها تذكير لها بأن الأقدار ليست سوى شبكة متداخلة من الاحتمالات المتحققة، والاحتمالات الضائعة.
في تلك اللحظة، أدركت الفتاة أن هذه النسخ المختلفة لم تكن مجرد أوهام، بل كانت جزءًا منها، جزءًا من الحياة التي كان يمكن أن تعيشها لو اختارت طريقًا مختلفًا. كانت تشعر بثقل الزمان والمكان، وكأنها تعيش في كل تلك الحيوات في آن واحد. بدأت تتساءل: هل كانت هذه النسخ حقيقية؟ أم أنها مجرد انعكاس لرغباتها المكبوتة وأحلامها الضائعة؟
مع كل انعكاس كانت تشعر بشيء من الحنين، ولكن أيضًا بشيء من الرضا. ربما لم تكن حياتها كما تخيلتها، ولكنها كانت حياتها. كانت تعلم أن كل اختيار قد قادها إلى اللحظة التي هي فيها الآن، وأن هذه اللحظات التي تراها في المرآة ليست سوى احتمالات ضاعت في ضباب الزمن.
أغلقت الفتاة المرآة ببطء، وأعادتها إلى مكانها في القبو، ثم عادت إلى سطح المنزل، تحمل في قلبها تساؤلًا عميقًا، ولكن أيضًا سلامًا جديدًا. فقد أدركت أن الحياة ليست مجرد انعكاس لخيارات ماضية، بل هي القدرة على العيش في الحاضر، بكل ما فيه من تعقيد وجمال ■