«شيخ مجرم»

جَوّعتُ زوجتي وطفلاي لِمدة شهرين كي أجمع المال الكافي لِشراء مسدس. وحين أصبح أخيرًا بين يداي وشعرتُ بِملمسه الحديدي البارد، تُقتُ لِأن أجعله ساخنًا. عبأتُه بِرصاصتين وأفرغتهما في الفص الأيمن من دماغ إمام مسجد الحي. حِين حُوكِمتُ سألوني عن السبب، أخبرتهم أنه قبل سنواتٍ رفض توبتي وأَقسم ألا أضع رِجلاي في بيت الله، ومنذ آنذاك وأنا حاقد عليه. حكموا علي بالسجن المؤبد، فدخلته مستبشرًا. كنتُ حريصًا على أن يكون سلوكي جيدًا، فكنتُ أنظف الأرضيات والمراحيض، وأغسل الأواني والملاءات، وأقوم بجميع الأعمال التي يكرهونها ساعيًا لراحتهم وحبهم. أما الاحترام، فكنتُ أحصل عليه من خلال قراءة الكتب. بعد خمس سنوات، كنتُ قد أنهيتُ قراءة كل كتب المكتبة، وكان ذلك في الحقيقة عذاباً لأن أعظمها تنمية ذاتية. لما طلبت كتبًا أخرى، توسلت للمدير أن يجعلها كتب تاريخ أو فلسفة أو روايات، أو أي شيء آخر. أخبرني أن هذه الأنواع لن تنفعني في شيء، والكتب التي قرأت مسبقًا لن تنفعني أيضًا إلا إذا أعدت قراءتها.
بعد خمس عشرة سنة من السجن، زارني طفلي الأصغر والذي صار شابًا. لم أتعرف عليه، لكنه تعرف علي. أخبرني أن أمه قد ماتت. حزنت عليها لأسابيعَ طويلة، وكنت ملازم الفراش لا أعمل ولا أخرج للاستراحات ولا أكلم أحدًا. آمر السجن وخدامه تفهموا ورقوا لِحالي، فدعوني وشأني. مع مرور الأيام، لم أكن أتحسن. عظامي برزت من الحزن والامتناع عن الطعام، وجلدي شحُب من الأرق وعدم التعرض للشمس. كبر قلق المدير، فَأذعن أخيرًا لِطلبي القديم فخصص لي مكتبةً أكبر كان بها كل ما اشتهيت من الكتب.
بعد ثلاثين سنةً من السجن، كنتُ قد كتبت روايتين واثنتين وأربعين قصةً قصيرةً. كنتُ أكتب على أوراق كان المدير يوفرها لي جزاءً على حسن سلوكي. حينما يجيء الليل، وكلما أنهيتُ فصلًا من روايةٍ أو قصة من قصصي، كنت ألتهم الأوراق حيث كتبت. وحين كنت أسأل عم فعلت بالأوراق التي مُنِحَت لي، أخبرهم أني ألقيت بها في المجاري بعد أن مسحت بها فضلاتي. كنتُ أصاب بعسر الهضم أحيانًا، لكن آلامه لم تكن شيئًا يُذكر مقارنةً مع الشعور بالحقارة والنفور مما كتبت.
بعد أربع وخمسين سنةً، صُدِر في حقي عفو ملكي. كنت قد أصبحت عجوزا كهلًا، وكنت أعاني من التهابات المفاصل ومشاكل الجهاز الهضمي. حين كنت أنظر إلى المرآة وأرى شخصاً آخر بجانبي، لم أعد أهلع، بل كنتُ أحييه. مؤخرًا، لما عرفت أنه نفسه يكون الشيطان، ضحكتُ لِساعاتٍ، ثم نسيت أمره سريعًا، لأنه في نظري لم يكن هناك ما هو أكثر شيطنةً من قولوني العصبي، ناهيكم عن كل ما كنتُ أمر به. 
كنتُ شيخًا مجرمًا خرفاً بالنسبة للجيران، لِبائع المواد الغذائية، ولِقطط الشوارع أيضًا. لم أتحمل أن خروجي من السجن أفضى إلى دخولي لِسجنٍ آخر، ولا أنه يُفترض بي الموت بعد قضاء أيامي الأخيرة على ذلك المنوال الذي كنت أعيش به. وهكذا، نفد صبري وصبر شيطاني، فصممتُ على العودة لجنتي. وذات صباح، قتلتُ أول شخص التقيت به في حينها. 
كنت في البداية متردداً، لكني حين رأيت عينيه تلاشى خوفي. كانتا عينان مألوفتان للغاية. حوكِمت ثانية بالسجن المؤبد. كنتُ سعيدًا للغاية، وكان كل مَن في مبنى السجن سعيدًا بعودتي. بعد أسبوعين، زارني ابني الأصغر ثانيةً، هذه المرة تعرفتُ عليه. أخبرني أن أخاه قد قُتِل، أجبته أنه لا يأتيني إلا حين يحصل أمر سيئ، فَخرج دون النبس بكلمة أخرى.