تعلمت درسي جيدًا

  بسبب سقوطي في المدرسة، علّقني أبي من قدماي وانهال عليّ ضربًا بواسطة حزام نزعه من سرواله، حتى صرت أتلوى ألمًا، ولا أقدر على المشي أو الجلوس بشكل طبيعي مثل الناس، ثم حرمني من المصروف اليومي طوال العطلة التي دامت ثلاثة أشهر، وأوصى أمي وأخي بأن يفعلا مثله، أمي أحيانًا تعمل بوصية أبي، وأحيانًا لا، وذلك بأن تجود عليّ خفية منه ببضع دريهمات. أخي وجد وصية الأب على هواه. فكلما طلبت منه درهمًا أو درهمين، أتلقى صفعة كجواب على طلبي. 
لكني كنت بدهائي أعرف كيف أملأ جيبي، لديّ طرقي التي من خلالها أتحصل على النقود، في البداية كنت أبحث في جيوب أخي، لكن الأمر لم يدم طويلًا، أمسك بي وكاد يقتلني، إذ ذات صباح أول شيء لفت انتباهي عندما استيقظت هو سرواله المرمي على الأرض، فخطر في بالي البحث في جيوب السروال مثل العادة. فنزعت الغطاء من فوقي ونزلت من على السرير المفرد المحاذي لسرير أخي، نظرت نحوه، حسنًا إنه نائم نوم الموتى، لن يستيقظ حتى لو قامت الحرب أو هذا ما ظننته. حملت السروال، وبدأت في تفتيشه، وجدت العديد من الورقات النقدية، مختلفة الفئات والألوان، اكتفيت بأخذ ورقة نقدية من فئة 20 درهمًا، وفي اللحظة التي هممت أن أعيد الورقات الأخرى إلى حيث كانت أمسكني أخي من ياقة قميصي، وهو يقول:  
أمسكتك يا مسخوط الوالدين.
 تلقيت إثرها ثلاث صفعات، وركلة كسرت الجاذبية وجعلتني أحلّق في السماء، قبل أن أسقط على رأسي، وأغيب عن الوعي، غيابي عن الوعي جعل أخي في حالة هلع، وبعد محاولات عديدة صب الماء على وجهي، ووضع البصل على أنفي، استفقت من غيبوبتي القصيرة، واتفقنا على أن يحتفظ بسرّ سرقتي له وأحتفظ بسر ضربه لي ضربًا كاد يجعل روحي تفارق جسدي.
ثم انتقلت فيما بعد إلى البحث تحت ملابس أمي في الدولاب، لكنها سرعان ما فطنت إلى نقص النقود التي تجمعها تحت ملابسها لتشتري بها ما تحتاجه، فقالت مولولة، رغم إنكاري، إنني دمرت أعصابها وإنني سأقتلها يومًا ما، وإنها ستحمل ثيابها ولن نعرف أي وجهة ذهبت إليها. 
بعد ذلك مررت إلى بيع المتلاشيات والمهمل من الأشياء المرمية فوق سطح المنزل، أوانٍ لم تعد صالحة للاستعمال، صنابير مياه ضائعة، حديد، تلفاز قديم، عجلات دراجة هوائية مكسورة، حتى جعلت السطح فارغًا على عروشه.
 وفي خضم كل ذلك كانت نقود الحلاقة التي يقدّمها لي أبي على مضض وهو يقول «اذهب عند الحلاق لتزيل ذلك الشعر الكثيف» أبددها بمعية الأصدقاء، وبدل الذهاب عند الحلاق أذهب صوب مدرسة الحلاقة، هناك أقدم رأسي للمتعلمين كي يتعلموا فيه، أقدّم لهم رأسي بالمجان، ليقصوا لي شعري بالمجان. أستفيد منهم ويستفيدون مني. 
 لكني، بعدما اكتشف أبي أمري حُرمت من هذه النقود أيضًا، وتلقيت ضربًا لن أنساه ما بقيت حيًّا، إذ جرحني أحد المتعلمين المغفلين المبتدئين في أذني اليمنى بموس حلاقة، من حُسن الحظ أن الجرح لم يكن جرحًا غائرًا، لكن من سوء الحظ أن أبي اكتشف أمري، إذ بعدما شاهد الضمادات على أذني، سألني ما الذي حدث؟ قلت له: الحلاق جرحني في أذني، فسألني وهو في غضب عارم عن الحلاق الذي فعل بي ذلك، وجدت نفسي محاصرًا مثل فأر قذر. أخبرته بالحقيقة، لم يكن هناك مجال للكذب، في حضور الأب تغيب سرعة البديهة، في حضور الأب يحضر الخوف، في حضور الأب يتلاشى الابن، في حضور الأب تكشف الحقيقة عن نفسها. علقني من قدميّ مثل المرة السابقة، وانهال عليّ ضربًا أنساني ضرب المرة السابقة.
هكذا فهمت أن السقوط في المدرسة أمر سيئ، لأنه يحرمك من مصروفك اليومي ويجعلك لصًّا، ويحوّلك إلى كيس ملاكمة.
 لكنني مع ذلك سقطت مرة أخرى في الدراسة في السنة الموالية، رغم المجهودات التي بذلتها، فرأسي لم يُخلق للمدرسة ■