الغرفة رقم 33

فتح باب الغرفة، رفع صوته عاليًا ينادي صاحبة النزل:
- تعالَي إلى هنا يا سيدة هالة...
 خرج من الغرفة المجاورة لغرفته محقق عجوز يقيم في النزل منذ أكثر من ثلاثين سنة، رمقه بنظرة خاطفة، ثم عاد إلى غرفته وأغلق الباب خلفه.
قدِمت السيدة هالة مع الخادم لتفتيش الغرفة، كان قد قال لها أكثر من مرة: هناك صوت يسمعه كل ليلة في الغرفة، وبات لا يستطيع النوم، لكنها لم تهتم بما قاله. فتشت كل زاوية في الغرفة، ثم تمتمت: ما من شيء... وغادرت.
قال له مرة عامل الاستقبال بعد أن تعب من كثرة شكواه: 
- يمكنك مغادرة النّزل إن لم تعجبك تلك الغرفة... 
ثم عاد الموظف إلى عمله غير مبالٍ به، ظل واقفًا لبرهة يحدق بوجه الموظف، يحاول قراءة ملامحه، لعله يكتشف شيئًا ما يخفيه، ثم جرّ قدميه إلى الغرفة، كان يتساءل مع نفسه: ما الذي يخفيه عني موظف الاستقبال؟ هل الغرفة مسكونة بالأشباح؟ عليه أن يبحث عن شخص له علم بما يحدث في الغرفة. ولكن من يعرف شيئًا عن ذلك؟
مرّت ساعة وهو يفكر في طريقة إقناع موظف النزل لإخباره بالسر الذي تخفيه تلك الغرفة، ثم خرج لا يلوي على شيء، وقف عند ناصية الشارع، انتبه إلى وجود بائع يجلس على كرسي أمام عربة صغيرة عليها بعض الفواكه يبيعها للمارة، اقترب منه يسأله عن النزل، ابتسم الرجل قائلًا: 
- الجميع يعرف قصته الآن، منذ أن نشرت إحدى الجرائد موضوعًا عنه... 
- هل يمكنك أن تخبرني عن اسم الجريدة؟
- لا أعرف اسمها، لكن يمكنك أن تسأل صاحبة النزل... آخر اختفاء حصل قبل عام تقريبًا في غرفة رقم 33، تم إغلاقها ولم تفتح منذ ذلك الوقت...
 قال في دهشة:
- الغرفة رقم 33؟!
- نعم...
- ماذا حصل في تلك الغرفة؟
- الذين يقيمون فيها يختفون فجأة... وبعد التحقيق الذي قامت به الشرطة، تبين أن كل الذين كانوا يقيمون في تلك الغرفة ارتكبوا جرائم قديمة سجلت ضد مجهول.
ارتجف، شعر بتيار كهربائي يمرّ سريعًا في جهازه العصبي، أيقظ ذاكرته. في يوم من الماضي ركب سيارته يتسكع بين الطرقات، كانت لعبة مسلية بالنسبة له أن يقود بسرعة جنونية من حين لآخر بين الأزقة وهو مغمض العينين، كنوع من التحدي أمام رفاقه، فجأة حدث شيء غير متوقع، أوقف المحرك بسرعة، خرج من السيارة، التفت يمنة ويُسرة، لم يكن هناك أحد غيره، عاد إلى سيارته، أدار المحرك، ثم اختفى...  وبعد ذلك أكمل حياته في هدوء...
قال له الرجل:
- لمَ أنت صامت؟ هل تعرف شيئًا عن تلك الغرفة؟
أجاب بسرعة:
- لا... لا... لا أعرف...
تحرك عائدًا إلى النزل، كانت قدماه ترتجفان ولا تساعدانه على السير، صعد درج النزل متثاقلًا، دخل الغرفة، أغلقها بإحكام، جمع أغراضه في الحقيبة، وقرر أن يترك النزل في الصباح الباكر.
في المساء أطفأ الضوء، سمع الصوت نفسه مرة أخرى، هذه المرة كان الصوت قويًّا، قام من على السرير، أشعل الضوء، وقف مكانه ينصت، كان مصدر الصوت آتيًا من تحت السرير، أزال الشراشف، حمل المرتبة ووضعها جانبًا، ظهرت له بقعة سوداء صغيرة فوق اللوح الخشبي للسرير، لمسها بيده، اتسعت، وأصبحت دائرة كبيرة، أدخل يده فيها، أخرجها، سمع صوتًا يقول: أنا هنا في انتظارك... تعال إليّ... اقترب من وسط تلك الدائرة برأسه، نظر إلى الداخل، قوة ما جذبته، واختفى في الظلام.