«وثبة من على الشرفة»

القصة كلها بدأت عندما رأيت جوارب زوجي، التي كانت مُعلّقة على حبل الغسيل، مُبعثرة على بلاط الساحة الداخلية للمبنى، نزعها الهواء من ملاقيطها ونثرها في كل مكان، وما إن أخبرت زوجي حتى ألقى نظرة على الساحة، ثم وثب من على الشرفة.
لم أستطع رؤية زوجي وهو يصل إلى الأرضية بعد قفزه من الشرفة، إذ إنني كنت بعيدة لحظة قفزه. تساءلت للحظة عمّا إذا كان قد وصل إلى الأرضية بأمان، ثم تذكرت أنه قد سبق له القفز من قبل، أيام مراهقته، من الدور الأول.
 انشغلت بعدها بالتقاط الألعاب المتناثرة بكل أرجاء المنزل، ونفض الغبار الذي ظلّل بعض الزوايا. ثم شرعت في تحضير الغداء، ولا أعرف لماذا غاب عنّي التفكير فيما حصل لزوجي تمامًا.
كان الأطفال منغمسين في مشاهدة الأنيمي، وكان يصلني الصوت وأنا في المطبخ. وبهذه الطريقة تذكرت شجرة البونساي التي لم أسقها لأسابيع. لأنّ نشرة الطقس التي تفقدتها مبكرًا تتنبّأ بسقوط المطر، حملت النبتة في يدي لأخرج بها للشرفة، ولاحظت من هناك إحساسًا غريبًا في الجو. كان المنظر أصفر مستكينًا خاليًا من الحياة. بدت لي الساحة الداخلية كأنها لم تشهد أحدًا من سنوات. كأنها قد هُجرت بعد خريف ولم يعُد إليها أحد.
لم يأتِ الأولاد للمطبخ ليسألوا عن وجبة الغداء، لكنّي فكرت في زوجي وأنا أتفقّد الجو في الخارج. ما الذي حصل له يا ترى؟ كان السكون قد رحل وحلّت مكانه عاصفة سمومية غابرة أوصدت معها أبواب الشرفة وأحكمت إغلاقها.
اعتراني حينها شعورٌ بأن ثمّة خطبًا ما، ثمّة شيء لا يُبشِّر بخير، وأنّ عليّ أن أحمي نفسي وأطفالي حتى عودة زوجي، فلربما كان الأمر مؤامرة تهدف إلى الإيقاع بنا.
أهرع إلى الصالة، وأحمل أطفالي في يدي، نختبئ معًا داخل خزانة الملابس. أحميهم من الشر المحتمل، ومن العالَم الخارجي اللئيم الذي، وإن سلبني زوجي، فإنّي لن أسمح له بالنَّيل منّي أو من أطفالي.
أطفالي، بأعينهم البريئة، يتساءلون وأنا في حيرة عميقة، لا أدري إن كان ينبغي عليّ إخبارهم، لكنني طمأنت قلوبهم الصغيرة وأخبرتهم أننا نلعب «الغُمّيضة» مع بابا الذي سيصل عمّا قريب إلى المنزل. ولمّا ضاق صبرهم، ولم يطيقوا البقاء أكثر في تلك الخزانة التي سلبتهم حرية التطويح بأذرعهم، والركل بأقدامهم الصغيرة، شرعنا بالعدّ، لعلّ الوقت يمضي. لم أعرف إن كان سيصل بنا العد حتى المئة أو الألف، أم إننا سنمضي وقتًا أطول في تلك الخزانة من دون أن يظهر أحد، ويفوق العد معرفتي وقدرتي على المواصلة.
أسمع حركة في الخارج، تتلاحق أنفاسي، أعرف أن نوبة هلع ستجتاحني. أسمع امرأة تناديني، الصوت يبدو مألوفًا، تفتح باب الخزانة، الوجه أيضًا يبدو مألوفًا، يصاحبها رجال شرطة. عرفت أننا قد وقعنا في شباكهم، وأنه لا مفرّ منهم الآن، فالمطبخ بعيد، وما تملك امرأة أن تتخلص من شباكِ ثلاثة يحاولون الإيقاع بها.
سحبتني المرأة بلطف خارج الخزانة، تمتمت بأشياء لا معرفة لي بها، يبدو أنها تحاول زرع حقيقة أخرى في عقلي، تسرد عليّ هُراءات، كتغيّبي عن العمل لأسابيع، وعدم ردّي على اتصالاتها، وعدم مواظبتي على مواعيد العيادة. سألتني عن أدويتي، وعن انتظامي عليها، تقول إن عليّ الاستحمام وتنظيف المنزل حتى يُلائم العيش والحياة البشرية. وحين سألتها عن زوجي، وطلبت منها برجاء ألّا تُحدث ضررًا بأطفالي، قالت بصوتٍ عالٍ «يا آنسة... عليكِ أن تتناولي أدويتك حالًا، وربما يكون من الأفضل لو أخذتِ قسطًا من الراحة».