«سأحبك اليوم وغدًا»

يركض أَيْمَن تجاه مدرسته غير آبهٍ للأمطار المنهمرة على وجهه، جسمه الممتلئ شحمًا أصبح مبتلًا بالقطرات التي اقتحمت ملابسه الصيفية. لم يهتم كعادته بالحصى والأحجار المتناثرة على الرصيف، كان همه أن يتجنب سخط أستاذته التي يكرهها منذ أول حصة طردته فيها من القسم. كانت التفاتة إلى نافذة وراءه - محطم زجاجها - كافية لفقدانه مقعده الخشبي. توسل إليها كثيرًا لكنها طردته، لم تقبل السماع إليه ولا إلى مبرراته، لم أفعل شيئًا. كانت آخر كلماته قبل أن يخرج من القسم. منذ ذلك الوقت وهو يَحْضُر جسدًا بلا روح، لا يدري متى تبدأ الحصة ومتى تنتهي.
لحسن حظه بابُ المدرسة مفتوح والحارس على غير عادته غير موجود، ركض باتجاه قسمه في الطابق الأول، باب القسم مفتوح. تردد أيمن... هل يطرق الباب أم يلج من دون إذن الأستاذة التي كانت منهمكة في كتابة عنوان الدرس على السبورة؟ لا يريد التلميذ الصغير أن تلتفت إليه، لأنه يخشى نظراتها الصقرية، خطا أولى خطواته... فثانية وثالثة، رمقته فالتفتت نحوه وهي تقول: «ما كان عليك أن تأتي هكذا... لقد بللت نفسك وملابسك...بني ألا تخشى المرض؟!»، تسمّرت قدماه في الأرض وتجمد لسانه داخل فمه، حدّق كثيرًا في وجهها وهي تفرك شعر رأسه تحاول تدفئته وتساعده على التخلص من بقايا ماء المطر. أرادت أن تقبله لكنها خشيت من عدم احترام المساواة والعدل، فكل التلاميذ سينتظرون قُبُل أستاذتهم. لم يكن يرغب في أن ينتهي هذا الإحساس الذي أيقظ فيه ظُلْمَه لأستَاذتِه ومَدْرسَته ولنساء التعليم ورجاله. حُبه لهم جميعًا، تلك اللحظة لم تنسهِ أن يلتفت إلى المقعد الأول المقابل لمكتب الأستاذة حيث تجلس رُقية، غمزها بخنصره الذي يطل من صندله البلاستيكي الأصفر «خذ هذه الكنزة... ارتديها واذهب لمكانك»، لم يسمح صوت الأستاذة لأيمن بأن يسجل ردة فعل رُقَية، جلس التلميذ في مقعده وهو يحاول جاهدًا ارتداء كنزة الأستاذة، مغالبًا العطر الذي يفوح منها، والتفت إلى النافذة المكسورة، ابتسم في وجهها، ردّت عليه بصوت رَعدٍ قوي تلاه مطر غزير. كان الشعور الذي خلفته الأستاذة في أيمن كفيلًا بأن يشعر معه بأنها الأفضل، والأحسن، والأرقّ. سيعشق المدرسة بسبب هذا الموقف، سيعشق الجدران والسور الهرم الذي يحيط بمدرسته إحاطة السوار بالمعصم، وسيعشق المرحاض النتن، وسيعشق الساحة الصغيرة التي لا يُسمح له بالركض فيها. سيفهم الدروس وينجز التمارين.
 تَذكرَ دفترَ دروس اللغة الفرنسية، بعدما وضعه فوق الطاولة، دَوّن في أول ورقةٍ تاريخَ اليوم وسجّل عنوان الدرس: «سأحبك اليوم وغدًا» ■