الباب

في الركن الأخير من الغرفة، يطل شعاع نور من خلف الشباك، يعكس خضرة السجادة المنحنية علي الأرض، أقبّل جبهة أبي وعلامة الصلاة الواضحة، أستنشق عبق جلبابه المنسدل بعناية، ويأتيني صوت الحذيفي"واستعينوا بالصبر والصلاة" لطالما استوقفتني هذه الآية، لا أستطيع تحريك قدمي، ولا التفكر، أراه يسجد طويلا، تري بماذا يشعر؟ .

ألتفت يمينا، دقات قلبي تتسارع، هناك مشاجرات بالخارج، يعلو الصوت مع احتكاك الأواني، تتصادم وتتكسر، تتناثر الشتائم عبر الهواء، يلتقطها المارة ويتعجبون، لا أحد يعرف سبب هذه المشاجرات، أنزعج كثيرا، أستقبل الشتائم واللكمات بصمت مطبق، انتظرت أبي حتى ينهي صلاته كي يصلح بينهم، أو يربط علي قلبي، ولكنه لم يفعل.

الباب يطرق، لا أحتمل الطرقات ولا رنين الهاتف، لماذا دائما هناك أحد ينتظر؟ وآخر لا يجيب؟ والباب يطرق، قلت لنفسي أريد الخروج، وعدت أقول لو خرجت سيطبقون عليّ كل ما يسير بينهم، وسأخضع لقوانين الجماعة، أما هنا فأنا سيدة هذا الكون، ولا يوجد بها ثقوب تتسرب منها العدوى، وحدة بحرية خير من جماعة قاهرة.

لا أدري لماذا ينخفض صوت الحذيفي؛ ليحل محله هذا الصوت الأجش، إنه يبعث الخوف في نفسي، أكرهه كثيرا، حتي أنني كلما مشيت في طريق وسمعته عدت من الطريق الخلفي، أفزع من مؤثرات الصوت و(الميكروفونات) الصاخبة، سأوصي بعد موتي ألا تقام مثل هذه الشعائر، أنا أكره الجنائز، يعلو صوت النواح والبكاء، أضع يدي علي أذنيّ، أكتم صراخي، أهدأ قليلا كلما تنفس الشيخ بين كل آية وأخرى، تمنيت أن تخرج روحه؛ حتي لا يعود لمثل ما يفعل ثانية، لماذا يعددون (الميكروفونات)، يجلسون في الطرقات، يرتدون السواد، ويتبادلون البكاء، أما هنا فلا جدوى من هذا، الغرفة مغلقة، وقد حجبت عنها الرؤية.

وتنتهي مشاجراتهم بصوت عبد الباسط؛، وربما يعودون ثانية للمشاجرة فيشترك عبد الباسط، أنا أكره عبد الباسط، صوته الآن يتسلل من خلف الباب، يكبلني الخوف فيرتعش جسدي، يطرقون الباب، أغلق الشباك لينقطع الضوء الشاحب عن هذا الركن من الغرفة، وينتهي أبي من صلاته؛ فأقبّل أثار جبينه علي السجادة الخضراء، وأفتح الباب، إحداهن تمدني بثوب أسود؛ فأقول لها:  الملائكة لا ترتدي السواد.