«محنة الرائي»

لا حاجة لي في أن أعرف الدافعَ الذي من خلالهِ تعرفتُ على ذلك الرجلِ الخمسيني الذي يحترفُ الكتابةَ المسرحيةَ على الرغمِ من كَثرةِ الإشاراتِ التي تمارسُ دورها خلسةً باتجاههِ، بطبيعتي الميّالةِ إلى المعرفةِ كنتُ على بعد خطوةٍ واحدةٍ من جميعِ الأعضاءِ الذين ينتمون للمشهدِ الجماليِّ من أدباءَ وفنانين، وبوصفي كاتبًا فتيًا لم أصلْ إلى مرحلةِ البلوغِ الذي يؤهلني لأن أكون صوتًا له صداهُ اللافتُ، أحاولُ أن أُبشّرَ بوداعةٍ لا مثيلَ لها علّها تعطي دفقًا معنويًا لإزالةِ الغَمامةِ السوداءِ الملتصقةِ بوجــوهِ البعضِ من أصحابِ الكروشِ البارزةِ الذين يعتقدون أن الثقافةَ ليست أكثر من بذلاتٍ وأربطةِ عُنقٍ بهيةِ الطلةِ، أنظرُ إليــه بقلـــقٍ وحــذرٍ محفوفين بالفضولِ الذي لازمني منذ أحاطني البعض بعنايةِ النصحِ الشديدِ بعدمِ مجاراتهِ، لكني، وما سَمعتُهُ من البعضِ، لم يكن موطنًا للريبةِ بالنسبةِ لي على أقلِّ تقدير، فمنهم من اتهمهُ بالجنونِ المحفوفِ بالهذيانِ المستمرِّ، والآخرُ أغلق موضوعَهُ بابتسامةٍ خجولةٍ يشوبها التأملُ الغائرُ، فيما إذا رافقتهُ تهمةُ التهجمِ على بعضِ الأدباءِ الذين أضاءتهمُ السرقةُ أشعل في داخلِهِ مرارةَ الحسرةِ وراح يكرّسُ صوتَهُ بأسماءٍ يطلقها كالرعدِ، حامد الكاتبُ المسرحيُ والممثلُ المشاكسُ الذي انقطع لفترةٍ ليست بالقليلةِ بسبـــب ما أُشيــعَ عن إصابتهِ بمــرضِ السرطان، لكنهُ عاودَ الظهورَ قبيل دخولي منتدى المسرح بسنتينِ ونيف.