خيرًا تعمل

يتطوّر شعور الرّئيس الجديد ويزدادُ حِسًّا بالمسؤولية ورأفةً بفئات المجتمع وطبقاته كلّها، ينامُ مهمومًا لتحسين ظروف معيشته، وتحقيق مستوى مَأمُول من الرَّفاه، يريد أن يرفعَ عنهم الضّنك - ما أمكن - ويوفّر لهم وسائل الرّاحةِ، كي تغدو بلاده من أكثر دول العالم مراعاةً للإنسانيّةِ وحقوق المواطن، وأكثرَ نجاحًا وتطوّرًا، ببناءٍ متماسكٍ متين. 
دعمَ المشاريع الصغيرة، وأوعزَ بسنّ قوانين تشجيعيّة لتطويرها، ثمّ زادَ من مُقدّرات الرواتب، واقتطع رواتبَ للعاطلين عن العمل وكبار السنّ وذوي الاحتياجات الخاصّة، وألغى الضّرائبَ، وأمَرَ بوضع لجان للرّقابة على الأسواق ومحاربة الغشّ والغلاء، ولجان رقابة تتابع عمل المستشفيات، وتشرف على حالات الأخطاء الطبيّة.
أنشأ مدارسَ وجامعاتٍ مُزوّدةً بتجهيزاتٍ إلكترونيّة مُطوَّرة، ومصانعَ حديثة، ومستشفياتٍ أيضًا، ومرافقَ عامة جديدة، وأكثرَ من الحدائق، التي زوّدها بوسائلَ ترفيهيّة شتّى، ثم اعتنى بالشوارع والأنفاق والجسور، وابتدأ بمشروعٍ ضخم استقطبَ الأيدي العاملة المحلية بأجورٍ عالية، لإنشاءِ نهرٍ اصطناعيٍّ يمتدُّ من البحر شمال البلاد حتى جنوبها.
أشرفَ على عمل البلديات لزراعة الأشجار المثمرة في كلّ بقعةٍ متاحة، وزراعة أزهار الزينة على مداخل البيوت، وعلى امتداد الشوارع، ثمّ استصلح الأراضي الـمُهمَلة وَأَمَرَ بزراعَتِها وتربيةِ الماشيةِ فيها. وطوّر قطاع السياحة، وزوّد الأماكن الأثرية والسّياحية بخدمات ومرافق عصرية مريحة. 
عمَّ الاستقرار، ونشرت الرّاحةُ أطيافَها في ملامح الناس، الذين انبثق منهم جيلٌ جديدٌ مُنعَّم، لا يعرف من الحياة سوى ملذّاتِها ببضعِ رتوشٍ عاطفيّةٍ لا غير، تحقّق العدلُ والأمانُ والرّفاه، وازدهرت البلاد، فأحبّه الشعب كما ابتغى، وبجّلوه، وأقسموا بحياته، وأقاموا المراسيم على شرفه. تعلّقوا بتفاصيله كأنّه فردٌ رئيسيّ في كلّ أُسْرَة، وأطلقوا اسمَه على مواليدهم، ومحلاتهم، وطالبوا بتسمية الشوارع والأحياء باسمه أيضًا، وبألقابه الكثيرة التي توارثوها مع الزمن.
انتشر العدل، حتى غدت الحيواناتُ تألفُ الناسَ، والمفترسةُ منها تقابل الأليفةَ بودٍّ تامٍّ، فصار مشهدًا اعتياديًا أن يرافق الثعلبُ دجاجةً، وأن يقضي الذئبُ وقتَه رفقةَ أرنب، وأن تتّخذَ الأفاعي من بيوت الناس مساكنَ لها، تفشّت الظّاهرة بطريقة مقلقة، لأن هذه الكائنات غزت عالمَ البشر، وزاحمتهم في تفاصيل حياتهم، ثمّ صارت تطالب بحقوقٍ، وتبدي استعدادًا للقيام بالواجبات.
تحرّكت سائر الجهات لمحاربة المدِّ الخطير، ووقعت مجازرُ وراحَت ضحايا من الطّرفين، ثمّ انقسمَ النّاسُ بين مؤيّدٍ ومتعاطف، ثمّ تجلّت مواقف منظّمات حقوق الحيوان، وتضاربت الآراء، ولم تهنأ البلاد في ظل أجواء المظاهرات وتفشّي الشّغب، كما ازدادت الحيوانات عنادًا ودفاعًا عن حقّها، وتدخّلتْ دول الجوار للمؤازرة، واستغلّت أخرى الحالةَ فزرعت رجالها لتوسيع الفجوة، ونشرِ الكراهية، ووضعت يدها على كثيرٍ من مُكتسبات البلاد، واشترت شركات ومؤسسات خاصّة وحكومية.. امتدّ الخرابُ سبعَ سنوات.
لم يُوفَّق أحدٌ في إيجاد حل، فعمّت الفوضى، واهتزّت أرجاءُ البلاد، فأجمعوا على أنّ الرّئيسَ الذي فقَدَ حنكته في إدارةِ الأزمة قد ضيّعهم وأفسدهم، وأنّه أثّرَ على عقولهم إلى حدٍّ جعلهم يقدّسونَه، فكفّروه، وأسقطوه عن العرش، ثمّ صلبوه.. صباحَ اليوم التّالي كانت جميعُ الحيوانات قد غادرت بكلّ أصنافها، حتّى خلَت البلاد منها تمامًا.. تمامًا.