صفقة مع غريب

منذ عدة أيام تلقيت مكالمة هاتفية انتظرتها طويلًا، مضمونها أنه: «تمت الموافقة على طلبك للمشاركة في المسابقة الأدبية»، وتم حجز الغرفة ٩٩٩ بفندق جراند أوتيل لإقامتك. 
لا أستطيع وصف سعادتي، قمت بإعداد حقيبتي، وفي صباح اليوم التالي كنت في الفندق المحدد، وأخبرني موظف الاستقبال أن الغرفة مزدوجة، وأن رفيقي بها شاب اسمه (غريب السبعاوي) يعمل بالسيرك القومي.. يقدم فقرة الساحر بعدد من الأندية الليلية، تسمرت في مكاني من تلك المفاجأة؛ فطقوس حياتي لا تتحمل الإقامة في غرفة مزدوجة؛ فكيف أتحمل الإقامة في غرفة واحدة مع شخص غريب واسمه غريب؟!
قررت الانتظار قليلًا لعلّي أهتدي إلى حل يخرجني من هذا المأزق. 
المكان يبدو رائعًا، وأروع ما فيه نغمات الموسيقى الهادئة التي تريح الأعصاب، بعد دقائق فوجئت بشاب يناديني باسمي! ولم يدع لي فرصة أسأله عن نفسه؛ فقد بادرني قائلًا: أنا غريب السبعاوي، معاك في الغرفة، سألته: وكيف عرفتني؟ ضحك وهو يضع ساقًا على ساق، وقال: «الحاسة السادسة»، وواصل حديثه: أنت من الشرقية وحضرت للمشاركة في المسابقة الأدبية، لم أُعلق على كلامه رغم دهشتي، وقلت ربما عرف عني معلومات من موظف الاستقبال. 
قال: واضح إنك غير مقتنع بكلامي، تظاهرت بالابتسام ولم أرد، فقال لي: أعطني يدك، ثم أمسك بكفي وظل ينظر ويدقق، وبعد لحظة صمت قال: «أنت محظوظ، في الطريق إليك مبلغ كبير من المال، أكيد مكافأة الفوز بالمسابقة». 
تجاهلت حديثه، وتعللت برغبتي في دخول الحمام.
وهكذا مرت أيام وأنا لا أبادله الحديث، وعندما يوجه لي حديثًا أتظاهر بالنعاس.
لا أخفي عليكم أنني أُدرك تمامًا أن ذلك عيب عندي لا أستطيع التخلص منه؛ فلقد اعتدت منذ الصغر على العزلة؛ فنشأت أُفضّل الوحدة والانفراد بنفسي للتأمل.
العجيب أنه رغم تجاهلي له كان يعاملني بلطف شديد ويُكثر من عبارات الثناء في حقي أمام النزلاء، وكان يقدمني لمعارفه قائلًا: صديقي الأديب الرائع، سألته مرة: هل قرأت شيئًا من كتاباتي؟، فقال: لا..، ثم أردف هامسًا: «بيني وبينك أنا لست من هواة القراءة»!؛ قلت له: فلماذا تقول عني أديب رائع؟، ضحك وهو يقول: الحاسة السادسة قلت لك!
يبدو أنه بدأ يلاحظ نفوري منه، فلقد قال لي: واضح إنك مخنوق مني، قلت له: لا لا ليس لهذه الدرجة.
 قال لي: ما رأيك، سأعقد معك صفقة، إذا فزت بالمسابقة لي فيها 50 في المئة، قلت له: ولو لم أفز؟ قال: سأعطيك من جيبي الخاص ما يعادل 50 في المئة من المكافأة، قلت له (موافق) لا لشيء إلا لأنهي الحديث، فقام وصافحني قائلًا اتفقنا.
مرت أيام وأنا أتردد على بيوت الثقافة والمنتديات الأدبية لتقديم مشاركاتي.
وفي يوم الاحتفال الختامي، يوم إعلان اسم الفائز بالمسابقة، أصرّ غريب «الدجال» كما أحب أن أسميه على مرافقتي، يبدو أنه يعرف جميع المشاركين في الحفل من المطربين والمطربات وأعضاء الفرقة الموسيقية، لفت انتباهي ما بينه وبينهم من ضحكات متبادلة. وعندما جاءت فقرة إعلان النتيجة، فوجئت بمقدم الحفل يعلن عن اسمي أنا فائزاً بالمسابقة، ويدعوني إلى المنصة للتكريم وتسلم (شيك بمبلغ 50 ألف جنيه)، قفز غريب السبعاوي من الفرحة، وظل يصفق ويصرخ كالمجنون، ثم عانقني بحرارة قائلاً: (مبارك علينا يا صديقي).
لم أصدق نفسي وأنا أصعد لتسلم الجائزة، ولم أستوعب كيف أحصل على هذا المبلغ الكبير، وفي لحظة الاستلام قررت بيني وبين نفسي أن أتراجع عن صفقتي مع غريب، لن أعطيه شيئًا؛ أنا بحاجة إلى المبلغ كاملًا، لمحته من بعيد وهو يمسك بكف شاب يجلس إلى جواره ويمارس دجله المعتاد، وجدتها فرصتي الوحيدة للهروب منه، تسللت خارجًا، وأسرعت إلى الفندق وكان قريبًا، أخذت حقيبتي، وطلبت من سائق تاكسي توصيلي إلى محطة القطار، ضحكت وأنا في التاكسي المنطلق بشوارع القاهرة وقلت في سري: «خلي الحاسة السادسة تنفعك يا غريب»!
في طريقنا إلى محطة القطار وجدنا زحامًا يسدّ الطريق، نزل السائق ليرى، ثم عاد وقال: «غريب السبعاوي نجم السيرك القومي صدمته سيارة، يقولون: كان يجري في الشارع كالمجنون، اندفعت خارجًا من باب السيارة، واقتحمت الزحام، وجدت (غريب) مُمددًا على الأرض، عيناه الساكنتان مصوبتان نحوي كأنه يعاتبني، اقتربت منه، ضممته إلى صدري، وهمست إليه: سامحني يا غريب، سامحني يا غريب.