ربما كنت أحب الأرجوحة

كان كاتبي المفضل، وكنت أسعى لأن أقابله في العديد من الندوات، حتى التقيته وطلبت منه أن أرافقه أو أخدمه ولو من دون أجر، قبل على مضضٍ، صرت أرافقه في كل مكان وأعرض عليه ما أكتب.
 مرت أعوام وأستاذي توقف عن الكتابة، دائما ما يردد عليَّ قول نزار:
 - «إن لم تستطع أن تكون مدهشًا فإياك أن تتحرش بورقة» وأنا يا بني فقدت دهشتي وأنت صفحة بيضاء لم تجد دهشتك بعد...
وهو يقلب في الجرائد وجد إعلانًا عن ورشة للكتابة، قرر رغم كونه أحد أشهر الأدباء أن ينتظم فيها.
حينما دخل المحاضر قاعة الورشة ورأى أستاذي قال له:
- أنا من أشد المعجبين بكتاباتك، دائمًا ما أضع نماذج منها للحضور ليتعلموا منها كيف يصنعون دهشتهم الخاصة... تعكر وجه أستاذي وخرج من القاعة وخرجت خلفه، كطفل تعلق بثوب أمه.
كان من عادات أستاذي أن يكتب مقتطفاته، مهامه، هوايته في قصاصات ورقية ويلصقها بالحائط .
حينما عدنا من الورشة، وقف أمام الحائط يقلب عينيه بالقصاصات الورقية كأنه يبحث عن شيء.
فجأة كأنه وجد ضالّته صرخ قائلًا:
-  كنت أحب الرماية مع حبي للكتابة، أحضر لي أهدافاً أصوّب عليها...
ذهبت أبحث له عن أهداف يصوب عليها، وسرعان ما عدت، حين سمعت صوت طلقات بندقيته، متسائلًا: على ماذا يصوب؟
وجدته يطلق الرصاص على أغلفة رواياته ويقهقه: 
- هذه روايات لكاتب فقد دهشته لماذا تبقى؟! هذا اسم الرواية ويطلق ويقهقه، هذا اسم دار النشر ويطلق ويقهقه، هذا اسمي أنا الكاتب الفاشل ويبكي...
ثم جلس، أكاد أبكي معه وأضمه،  لكن لا حول لي، ثم وقف وقد تهلل وجهه، وقال:
- كنت أمارس كرة اليد في صغري، هل لدينا كرات هنا؟
هززت رأسي بالنفي، لم يتمهل وأمسك برأسه وبدأ في تمريره للحائط، هرولت كي أمسكه.
لكنه كان قد مرر رأسه مرتين وفي الثالثة سقط في حضني مخضِّبًا يديَّ بالدم متمتمًا:
- لقد وجدت ده...
محكمة...
لا شهود...لا أحد غيري بموقع الجريمة...  كل الأدلة تشير إلى واحد فقط ...هو أنا.
في محاكمة سريعة لم أنطق خلالها لشدة هولي. 
نطقها القاضي مكشرًا ومزمجرًا:
حكمت المحكمة بتحويل أوراقي إلى فضيلة المفتي.
اقتادني أحدهم من غرفتي الضيقة إلى الردهات وكان الوقت فجرًا ربما حتى يطيلوا أرجَحتنا على المشنقة.
بعض أشخاصٍ في انتظاري. 
زعق فيّ أحدهم قائلًا:
- ماذا تريد قبل تنفيذ حكم الإعدام؟
قلت في نفسي الإعدام أرجوحة من الرقبة لا أكثر. 
- أريد ورقة وقلمًا وبضع دقائق.
في منتصف الصفحة الأولي كتبت 
«ربما كنت أحب الأرجوحة»
 في أول الصفحة الثانية 
كان كاتبي المفضل، و...
أكان لا بد من الدهشة؟ 
 ما زلت رغم كل شيء صفحة بيضاء، لا دهشة لي، أنا أستحق الموت، أو ربما كنت أحب الأرجوحة!