قطرات

ظللت أتأمل الأمطار المنهمرة بغزارة بلا توقف، جذبني صوتها إليها من بين صفحات الكتاب، انتزعني من خيالي المجسد لأحداث الرواية، رمقتها ب نظرت إليها متسائلة، كانت شفافة لا تشبه قطرات سعادة في البداية، ثم بشرود لآفاق لا أدريها أو أذكرها، فقط أحدّق في الفراغ الذي تكسره زخات المطر لتتراءى أمام عيني كخطوط متقطعة كشكلها بالرسومات.
لا أدري كم طالت جلستي، لا أعلم سوى متى انتهت، فقد كان ذلك متزامنًا مع توقف الأمطار، عدت إلى كتابي وإبحاري بين أوراقه وكلماته لأمدٍ ليس بطويل، توقفت ثانيًا لصوت دقات قطرات على سطح ما، نحّيت الكتاب جانبًا وذهبت إلى النافذة مجددًا لتفاجئني السماء بأنها بريئة وليست السبب تلك المرة، رغم إظلامها المنذر ببكاء وعويل قريب. التفتّ في غرفتي لأتبين مصدر الصوت فوجدت أسفل مكتبتي المعلقة بقعة مبتلة تسقط عليها وحولها نقاط ماء، نظرت للسقف فوجدته جافًا نظيفًا، اندهشت وأنا أنظر للمكتبة التي وشى خشبها بالواقعة، اقتربت منها وأخذت بعض محتواها لأتفحصه وظللت أتنقل بينه، كانت الكتب هي مصدر القطرات، منها ما لا يصدر أي شيء، والباقي - ويا للدهشة - تتساقط منه القطرات رغم جفاف أوراقه دون نقطة بلل واحدة. سقطت من إحداها قطرة على أصبعي، الحبر ولا أي سائل ملون، من دون وعي وضعتها على لساني بطفولة غير مبررة لأجد طعمها شديد الملوحة والألفة، لم أستغرق طويلًا حتى أدركت كنهه، ولأتأكد من استنتاجي بحثت عن كل الكتب التي تصدر القطرات لأجدها متنوعة متعددة لا يجمع بينها سوى صفة واحدة، الحزن.