(ألم)

تجمد الدم في عروقي حين لمحت طيفها في الناحية الأخرى من الشارع. هل يُعقل أنها ... أنها هي؟!
كانت تقف هناك، ممشوقة القوام كما عهدتها، تضع يديها الناعمتين في جيبي معطفها الأنيق، تدير رأسها باستمرار ناحية اليسار كأنها بانتظار الباص. ما أجمل وجهها!
عجزتُ عن أنْ أكمل طريقي، أصابني الذهول، لم أتوقع يومًا أن أراها في مكان كهذا، استذكرتُ دفعةً واحدةً كلّ الذكريات، شريط مسرع مرّ بذهني. 
 كان كل شيء قد حدث للمرة الأولى في حياتي. الحب ... ذقتُ عنفوانه وحلاوته معها، والفقر ... عجزٌ وألمٌ أقعدني عن أنْ أوفر لها ما تريد، وطفلنا.. راح ضحيةً لهذا وذاك. 
 حين هجرتها كنتُ قد قضيتُ على آخر أمل تبقى في نفسها، تلك التي منحتني أسعد أوقات حياتي. ما زلتُ أفتش عن وجهها بين الوجوه التي أراها كلَّ يوم دون وعي منّي.
 لم أعرف حينها ماذا أفعل، أألقي بنفسي أمامها أم أفرّ إلى مكان آخر وأتناسى رؤيتي لها اليوم؟ وهل ذلك ممكن؟ أم إنه سيضيف جرحًا جديدًا إلى جروحي، لكن حرقة أشواقي وفضولي دفعاني إليها كرهًا، اقتربتُ منها كفايةً، بضع خطوات تفصل بيني وبين توأم الروح، لم يكن شارعًا يفصل بيني وبينها، كنتُ في جهة وهي في الجهة الأخرى من العالم، عالمان متقابلان، حياتان مختلفتان، لا يمكن لهما أن يجتمعا، كل أسباب الاختلاف والخلاف والقطيعة قد حلّت بهما.
 كنتُ أنتظر منها التفاتة بسيطة فتراني، ترى ماذا سيكون شعورها حينها؟ أتغشاها الحيرة مثلي، أم ستدير وجهها ببساطة وكأنها لم ترني ... لها الحق في كلّ ما ستفعله معي.
 كلُّ ذلك العجز، كل تلك المشاعر القلقة المحبطة، رأيتُ بعدها ما لم يخطر لي على بال، شيئًا ما قد قلب كياني، أحسستُ حينها أنني قد ابتلعتُ نصلًا عبث بأحشائي، فغيرتُ وجهتي، ومشيت مسرعًا كي لا ألفت انتباهها، حين ظهر فجأةً ذلك الشاب الذي يحتضن طفلة، تلقفتها منه بابتسامة عريضة بعد أن طبعت على خدّها البض قبلةً كبيرةً.