من طين

بينما كنت أطوف ببيت الله الحرام، في عمرة لطالما كانت تتوق إليها نفسي، جذبني هذا المشهد البهي لضيوف الرحمن وهم يسبحون كاللؤلؤ في نسق منظوم تلبية لدعوة خالقهم يحدوهم الأمل إلى أن ترد لهم الكرة فائزين في يوم المشهد العظيم، فوقعت عيناي عليه من بينهم، يطوف بالقرب مني ممسكًا بكتاب صغير يسترق منه نظرات خاطفة ليقتبس منه ما يقوله دون أن يعيق طوافه، فاستوقفني هذا فضلًا عن بشرته شديدة البياض وشعره الأصهب وعينيه الزرقاوين، لكني حبست نفسي عنه إلى انتهاء الطواف.
ثم أقبلت عليه مرحّبًا: السلام عليكم.
رد في ابتسامة هادئة: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ثم هم بالانصراف لولا أنني استرسلت بنبرة قوية: إنني أطالع أخبار إسلام جموع غفيرة من الغرب مؤخرًا، إلى أن تجسّد ما أطالعه أمامي، يبدو أنك من أوربا؟
فأومأ برأسه نافيًا.
فأردفت مباشرة: إذن أنت من أمريكا.
فأومأ مؤمّنًا على قولي.
- من أي ولاية إذن؟ وما قصة إسلامك؟ أخبرني... أخبرني!
- أنا من طين. 
قالها بتأثر ثم مضى يتلمس طريقه لاهجًا بالذكر فشعرت بالخجل وحاولت اقتفاء أثره بالذكر، فقد لقنّني درسًا عظيمًا، وقد خيّل لي أنني أنا الذي سوف ألقّنه الدروس ■