زوجتي تتحول

رحت أفكر في نمط حياتي الحالي، وأرى كيف استطاع وحيد وأعزب مثلي الاستمرار في الحياة التي لا تتوانى في توجيه ضربات مسترسلة لشخصه الواهن، وأنا غارق في تفكيري، سمعت هاتفي يرن، تفقدته بسرعة متمنيًا لو كان المتصل فتاة، فقد أضحيت أتشبث ببصيص أمل يخرجني من وضعي ذاك ويجعلني في غنى عن القيام بمحاولات تواصل بئيسة مع العالم الخارجي تتمثل في مشاركتي ببرامج الراديو لأدلي بدلوي في عدة مواضيع، فقد اعتدت الاتصال بهم من زمن بعيد وهذا يحسن من مزاجي بشكل مستمر ويشعرني بأنني إنسان اجتماعي وذو قيمة، فإذا بي أجده صديقي المتزوج حديثًا، فتحت الخط وقلت ممازحًا:
- مرحبًا صديقي، ظننتك قد انشغلت بزوجتك ونسيتني، كيف خطر ببالك أن تتصل بي؟ فالمتزوجون حديثًا ينسون العالم ويخلقون لأنفسهم عالمًا مصغرًا بعيدًا عنا نحن العزاب البئيسين، هنيئا لك بدخولك المحور، عكسنا نحن الذين نعيش على هامش الحياة.
- مرحبًا، صحيح إنني أضحيت أعيش بمحور الحياة شأني شأن كل المتزوجين، لكن لا شيء يؤكد ويثبت أن الهامش أسوأ من المحور.
- بربك، أعلم أنك تقول هذا لمواساتي فقط، منذ متى كان العيش على هامش الحياة أهم من العيش على محورها.
- صدّقني إذا ما قلت لك إن هذه القاعدة قد تنطبق على كل شيء إلا الزواج أو بالأحرى إلا على زواجي.
- ما الذي يجعلك تقول كل هذا؟ هل هنالك خطب بزواجك؟
- زوجتي تتحول!
- كيف يعقل أن تتحول؟ أهي مادة كيميائية؟! أم ماذا؟
لقد تحولت بعد الزواج مباشرة، قبل عقد القران كنت أرى فيها امرأة كاملة الأنوثة، تتصرف برقي، كان يتضح ذلك في كل شيء، في طريقة أكلها وشربها ومشيتها، هل تصدق أنها لم تكن تطأ الأرض بكامل رجلها وكأنها تخشى أن تدوس على مخلوقات الله الصغيرة؟! أما الآن فقد اختلف الأمر تمامًا.
- يستحيل أن يختلف الأمر بشكل كلي.
- لم أكن أؤمن بنسبية الوقائع والأمور بالمرة، لكنني الآن مقتنع بها وأعتبرها واقعًا.
- أي تغيير طرأ عليها؟
- أضحت تدوس على الأرض كبعير غاضب، وتأكل كتائه بصحراء جرداء لم يرَ الطعام لأيام!
- هذا متجاوز، يمكنك التأقلم مع كل هذا.
- صحيح يمكنني ذلك لكنني أشعر بالخذلان فقد أصبحت أفتقد نسختها الأولى، وهي النسخة التي أحببتها لأجلها، يمكن تجاوز كل هذا لكن هنالك أمر يصعب علي التأقلم معه.
- عن أي أمر تتحدث؟
- في كل مرة أستفيق من النوم قبلها أفزع، لأنني أجد نفسي فجأة أمام جسم أشبه بجسم رجل بشعر متشعث، إذا ما رأيتها يخيل لك أنها قضت الليل في غابة بها وحوش وليس في غرفة نوم.
استغربت كلامه وشعرت برغبة كبيرة في الضحك بصخب، لكنني حاولت كتم صوت ضحكتي لكي لا أجعله يغضب أكثر، وقلت: 
- وماذا تنوي فعله؟
فأجاب:
- ليس لدي ما أفعله، فأنا مضطر لعيش حياتي تحت هذا الوضع، رغم أنه من الصعب ذلك، ليس من السهل عيش حياتك مع امرأة تحولت إلى كائن أشبه الرجل.
ابتسمت وقلت:
- كان الله في عونك صديقي.
أغلقت الخط ورحت أفكر في كل ما دار بيني وبينه، أشفقت عليه وبشدة أكثر مما كنت أشفق على حالي، وقلت:
- إذا كنت سألقى مصيرًا كمصير صديقي فمن الأحسن أن أتزوج مذياعي، واقتنعت بأن عذاب الوحدة أهون من العيش مع كائن أشبه الرجل.
شغلت المذياع ومن دون أن أدير زر تغيير الموجة، وجدته يبث برنامجًا للتعارف، وما إن عدت إلى صوابي حتى وجدت نفسي أتصل بهم ليدبروا لي زوجة ■