قميصٌ واحدٌ... وأكثر من جسد

القميص الذي علّقته سيّدة على حبل الغسيل منذ أسبوعين لم يجفّ بعد، وقد لا يجفّ قريبًا. مقاسهُ مناسبٌ تمامًا، والخطوط البيضاء على كتفيه تجعلهُ يبدو أكثر جاذبية.
الأحمرُ ليس لوني المفضّل، لكنه يبدو دافئًا برقبته الصوفية الطويلة التي يمنحك مجرّد التفكير فيها الدفء.
حبلُ الغسيل ليس أكثر من مجرد سلك نحاسيّ مربوط إلى شجرة برتقال، ورُمّانة بدأت تتساقط أوراقها.
قبل أسبوعين تمامًا، في المساء الذي علّقت فيه تلك السيدة غسيلها، اقتحم جيش الاحتلال البلدة. شاهدتُ الجنود أول مرة من وراء النافذة الحديدية لبيتنا، ثمّ مرّة ثانية في نشرة الأخبار ليلًا، حين أعلنت المذيعة عن وقوع خمسة قتلى بينهم طفل في العاشرة من عمره.
خلال أسبوعين كنتُ أرى القميص يجفّ مساءً، ثم يبلله نسيم الصباح فيبدو رطبًا حين أنظرُ إليه من الشرفة قبل أن أتناول فطوري، لكنني لم أرَ السيدة تخرج لتفقّده إلّا مرّة واحدة يوم علّقته.
القميص الذي ألبسهُ بالتناوب مع قميص أسود منذ أكثر من سنة، كان لونه أحمر كذلك، بيد أنه يفقد القليل من صبغته كل يوم، ولا أظنه سيصمد شهرًا إضافيًا، قبل أن يصبح أسود هو الآخر. وما أحوجني لواحد جديد أستقبل به الشتاء.
عندما أصبحتُ أمام شجرة الرمان تمامًا أوقفني صوت خُطى تقترب ببطء، استدرتُ لأستطلع الأمر، ثمّ تنهدت إذ لم أجد أنها السيّدة التي علّقت القميص جاءت لتفقّده على غير عادتها.
إنه طفل بمثل عمري، لكنّ قميصه لا يزال محافظًا على بعض لونه الأزرق.
-    ربّما جاء مثلي لأجل القميص.
قلتُ في نفسي... قبل أن يباغتني صوته على بعد خطوات قليلة:
- إنتْ بتحتاج إِلَهْ أكثرْ منّي.
تركَني واقفًا... وانصرف ■