الساعة الثانية عشرة

دقت الساعة معلنة الثانية عشرة ليلًا، أسرعتُ نحو منزلي العتيق تاركة خلفي حذائي الفضي وفستاني الفضفاض الذي اختفى شيئًا فشيئًا حتى عاد قميصي المتقطع وتنورتي المهترئة إلى ما كانا عليه.  في طريقي رأيت مسرحًا قديمًا، تقدمت نحوه، دخلتهُ وأنا أحمل داخلي كلمات عن حلمي المختفي ورقصتي التي انتهت.
 الظلام يغطي مقاعد المسرح، لا يوجد سوى بصيص ضوء خافت وسط خشبة المسرح، اقتربت منه ووقفت وسطه أتأمل جمهوري الافتراضي، صفقت لنفسي وتقدمت مخاطبة المقاعد الفارغة، قائلة:
- أنا من يدعوني السندريلا لكني في حقيقة الأمر فتاة كغيرها تمر بحياة قاسية، ليس لأنها تربت عند زوجة أب؛ بل لأنها عاشت تحت قيود المجتمع الذي حرمها من حريتها ومن العيش بكرامة دون التذلل لأي بشر، وحلمت بفستان بسيط لكني لم أحصل سوى على هذا القميص البالي الذي أعرته من شقيقتي من أبي وعيّرتني به، لقد حرمني المجتمع من العمل والحب والعلم بسبب يُتمي.
 أيتها المقاعد هل تسمعيني، فليس هناك أحد ينصت لي الآن سواكِ، رغم أنك جماد، لكنك ستسمعين رغمًا عنك لآخر كلمة، فأنا لم أترك الحذاء بلا سبب، بل تركته لكي أعود إلى حقيقتي وأتمرد على واقعي وأتخلص من زوجة أبي، أبي الذي حرمني من تحقيق حلمي وجعلني أعيش تحت سلطة هذا وذاك، أنا الفتاة أنا البنت أنا الزوجة أنا الأم سأصرخ بأعلى صوتي وأطالب بحقي في تحقيق ذاتي.
 لن أكون أَمَة مرة أخرى لأيً كان، ولن أستجدي عطف هذا وذاك، ولن أرقص مع هذا الرجل وذاك كي يخلّصني من يتمي ومن تسلط زوجة أبي، بل سأكون امرأة قوية يخشى منها كل مَن سمع بخطواتها تقترب.
وبينما كنت أخاطب المقاعد أنير ضوء المسرح فجأة، اختبأت خلف ستار العرض، الأضواء أخذت تُنار الواحد تلو الآخر، صوت يغني وآخر يعزف وآخر يصفق، الجمهور بدأ يملأ المقاعد والممثلون ازداد عددهم، وأنا خلف الستار حائرة.
 هل حان وقت العرض؟ هل أخرج وأقف معهم وأتلو خطابي مرة أخرى؟ لكن الجمهور، نعم الجمهور، وفي دوامة التفكير اقترب أحدهم مني وهو يرتدي ثوب الرقص، قائلًا:
- هل هذه ثيابك للتمثيل؟
ترددتُ في الاجابة، وأكمل قائلًا:
- لا بأس، حان دورك الآن.
لم أصدق ما أسمع، حان دوري الآن! إنهم يعتقدون أنني ممثلة معهم، سأستغل هذه الفرصة وألقي بخطابي بمسرحيتي بجملتي وأعبر عن ذاتي وأكسر قيود الخوف. أبعدتُ الستائر واعتليت المسرح، الكل يطالعني، هناك مَن يصيح: هيا أسمعينا، وآخر يقول: هيا ارقصي لنا، شعرت بقشعريرة، أنا هنا لأتكلم ولست لأرقص ولا لأغني، ضربت خشبة المسرح بقدمي وصرخت:
- اصمتوا واسمعوا خطابي، فأنا فتاة من حقي أن أعيش، لن أكون مُلكًا لأحد ولن أستكين لأحد، فأنا إنسان، مثلي مثلكم، سأعمل وأعيش وأقرأ وأفتش عن كرامتي دون أن يمسّني أو يلاحقني أمير الصدفة الذي قد يخلّصني من عذاباتي بل سأخلّص نفسي بنفسي. 
صمت الجميع وعمّ الهدوء واستحالت كلمتي غيمة عابرة فوق سماء الحاضرين. عدتُ بخطواتي إلى الوراء خلف الستار وخرج بعدي ممثل آخر، أخذ يرقص ويرقص ويقول:
- عبرت عن نفسها بين الغجر، هيا ارقصوا هيا غنّوا، فالحياة ملذات والبشر كالعربات يجرهم من يريد الحياة.