لزوم ليلة الحناء

في ليلة الحناء يقيم «العريس» أمام منزله حفلًا حافلًا بفرقة المزمار الصعيدي، إلى جانب اثنين من الشعراء «القوالين» ينشدون المساجلات المرتجلة، والتي تعرف بفن «الفرش والغطا» .
كل رجال البلدة يتجمعون ليلعبوا التحطيب على أنغام المزمار، مع التلذذ بما يرتجله القوّالون من مربعات شعرية، تُسكر الروح، وتطرب الأذن، فتثير ضحكاتهم تارة، وتدر منهم كلمة «الله» تارة أخرى.
في اللحظة نفسها تتجمع النسوة على اختلاف أعمارهن داخل منزل العريس، يرقصن ويغنين ما حفظن من أغان ورثنها عن أمهاتهن وجداتهن، وتتولى أمهرهن أمر الطبلة المصنوع جسدها من الفخار الفاخر، فيما تصنع طارتها من جلد الغنم، وعندما يخفت صوتها تقوم إحداهن بتعريضها للهبٍ بسيط يشد الجلد، فيرتفع صوتها مرة أخرى. وبنهاية الليلة تعجن أم العريس خلطة الحناء، وتضعها على صينية كبيرة، حولها أقراص من الكعك الفايش الصعيدي، وفي كل كعكة شمعة، وتحملها النسوة على رؤوسهن يرقصن بها بالتناوب، وفي النهاية تتسابق البنات على اختطاف الكعك في جو فكاهي.
يحدث هذا في حضور جميع النسوة المعزومات، إلا «غنيمة»، كانت تترك هذا المشهد العبثي في نظرها، وتقف خلف مشربية المنزل، لتتفرج على خيرة الشباب وهم يلعبون بالعصا، وتتلذذ بالمزمار، وتسكر من عذب كلمات الشعراء، ويزيد انتباهها عندما ينادي العريس على المقاول فوزي، الذي يتمتع بسمعة واسعة، بأنه أبرع من لعب التحطيب رغم قصر قامته  ونحول جسده، لذا بمجرد سماع اسمه تجد كل منشغل ينتبه، وكل بعيد يقترب ليراه، حتى بعض النسوة اللاتي لا يروق لهن ما يفعله الرجال، يصطففن خلف مشربيات المنازل، ليشاهدنه يحرك العصا بكل رشاقة. 
يتناوب الشباب في لعب التحطيب مع المقاول، لا يقدر أحدهم على إيقاعه في شرَك الهزيمة، وعند هزيمة آخر شاب يقف فوزي بكل زهو، بارمًا شاربه بإحدى يديه، رافعًا العصا بيده الأخرى، معلنًا انتصاره كالعادة، ثم يجلس وسط الحضور، ليستمتعوا بفقرة الشعراء. 
يتقدم الشاعران صوب مسرح الفرح، وينهال عليهما الشباب في حماس، فيقول بعضهم: اقتله بحديتك يا أبو زين يا قوّال... ويقول آخرون: قطّعه بمربعاتك يا أبو محمود يا سيد القوالين. بينما يضحك على الفريقين فريق ثالث، لا ينتصر لأحد القوالين بقدر ما ينتصر للشعر ذاته، ويتمنى أن يكون السجال حامي الوطيس.
وأثناء انشغال الشعراء في إعداد المنصة تسمع غنيمة مفردات غريبة من الشباب، لا تدري إلى ماذا تشير، فيقول أحدهم: ولع الخوابير ودور، ويقول آخر: جهز الكوبايات يا معلم، ويقول ثالث: لافيني سمسون يا مقاول، ويقول رابع: هات حتة فولية للقوال يا وِلْد خلي القول يشعشع، فتقف متعجبة، ترى ما دخل الفولية بشعشعة الشاعر وإدراره كلمات أكثر لهيبًا، ولماذا ينفرد الرجال فقط بهذا الكم من الفولية دون النساء، أليس هؤلاء معازيم، والنسوة معزومات أيضًا وجب إكرامهن بما لذّ وطاب؟!
تترك غنيمة هذه التساؤلات، كي تنتبه للشاعرين اللذين ذاع صيتهما بأنهما أمهر الشعراء في الجنوب، ولحروفهما لذة مُسكرة تفوق لذة الخمر، ومتى تبدأ المساجلة تتصاعد أبخرة النرجيلة من المنصة التي تعلوها مشربية منزلها. وفي كل مرة تصادف أن تكون المنصة أسفل غرفتها، تصاب غنيمة بحالة غريبة، تدور على إثرها كالفراشة مع إيقاع الكلمات، ثم لا تشعر بشيء سوى في صباح اليوم التالي، عندما تجد نفسها مستلقية على أرضية الغرفة، غير مدركة لسبب غيابها عن الوعي، فتتمتم في وجوم: اللعنة على النوم الذي يسرقني كل مرة، ولا يدعني أتلذذ بأكبر كم من مربعات الشعراء.