قصة ثورة الرقمين واحد وصفر

بعد أن ولدت الأرقام: اثنان، ثلاثة، أربعة، خمسة، ستة، سبعة، ثمانية، وتسعة؛ وشبّت، طلب رقم واحد منهم أن يجمع نفسه بهم، علّه ينال رتبة أشرف من رتبته المتواضعة تلك التي تحملها على مضض، لكن كبرياءها غلب عليها فأجحفت به حيث أقنعته بأن يخنع لما هو عليه ويستكين لحاله المأساوية تلك، وحيدًا هزيلًا منبوذًا لا حول له ولا قوة، لكنه أجمع في قرارة نفسه على إلغاء اليأس من قاموس مفرداته، وظل على تلك الحال يصول ويجول داخل الزنزانة التي أعدها له إخوانه الأرقام؛ الذين اصطلح تسميتهم بالإخوان رغم جفائهم وغلظتهم وتيبّس مشاعرهم.
 ذات يوم، وبينما كان غارقًا في أفكاره، شدّ انتباهه جسم منكمش على نفسه في زاوية من زوايا زنزانته البائسة، فاكتنفت الحيرة خلده إذا لم يكن قد فطن لوجوده من قبل، ولعل للاحتلاك دوره في ذلك. اقترب منه بروية فإذا به الرقم صفر! فانعقد لسانه ولم يطاوعه وتلعثم بصدمة: ألست الرقم صفر الذي أعدموه قبل مدة بحجة أنه لا يساوي شيئًا؟!
 التفت الرقم صفر إلى الرقم واحد المنتصب أمامه انتصاب السارية، على عكسه هو الذي احدودب ظهره حتى تقوّس ملاصقًا أخمصه مشكلًا حلقة مفرغة - حين رد مستهزئًا: كلا، لم يفعلوا ذلك، فقوتهم لا تكفي لأن يلغوا وجودي في الكون رغم عدمي، وما أدراني السبب، غير أنني مندهش منك، أولست أنت الرقم واحد الذي نبذوه بحجة أنه يساوي نفسه فقط؟! يا للمصادفة، لقد كنت مثلك تمامًا؛ رقم صفر تناسته الأرقام وكادوا يقتلونه لولا أن القدر كتب من نصيبي هذه الزنزانة. لقد كنت أضحوكة الزمان حينها، ومرمى كل ضغينة واحتقار.
 طأطأ الرقم واحد رأسه بانكسار وهو يتجرع مرارة الخيانة والألم اللذين تلقياه من الأرقام الأخرى، واستأنس لوجود رقم آخر يشاركه الأحاسيس والأفكار نفسها، فجلس جنبًا إلى جنب مع الرقم صفر وأخذت بهما دفة الحوار إلى نقاشات فلسفية عميقة حول واقعهما، إلى أن خلصا إلى قرار مصيري سيعبث بتجليات الفكر السائد في مجتمع الأرقام المهين لهما، حيث إنهما اتحدا معًا ليشكّلا من نفسيهما أول رقم ثنائي في الوجود؛ ألا وهو الرقم (10)، ثم اندفعا إلى باب الزنزانة حتى أردياه أرضًا، واقتحما جموع الأرقام يعلنان انتصارهما.
 لم تنته القصة هنا، فقد حمى وطيس الجدال بعد ذلك حول إمكانية ابتكار أعداد أكبر، وانضمت أرقام الصفر لتكوّن أعدادًا لا حصر لها ولا نهائية (100، 1000...)، ثم لم يكن من الأرقام الأخرى إلا أن توجهت إلى رقمي واحد وصفر بأصدق عبارات الاعتذار والندم، وكان التسامح ديدن الرقمين فلم يبخلا عليهم بالقبول، بل انضمت تلك الأرقام أيضًا إلى ثورتهما، واليوم تكوّن الأرقام من واحد إلى عشرة سلسلة أعداد لا نهائية، طور بها الإنسان كل اختراعاته، واعتمد عليها بكل جوانب حياته