الجسد الذي ضلَّ

حدث هذا في ليلة صيفية مملة، كنا نتشاجر كالعادة ثم فجأة انشطر عني بسرعة. شعرت برجفة شديدة وألم قوي وارتطمت بعنف في الحائط، حاولت أن أسيطر على نفسي، ثم تسمرت في مكاني مذهولًا. نظرت إليه فزعًا ونظر هو حوله كالذي يبحث عن شيء ولم يجده، ثم بسرعة استدار وفتح الباب وأغلقه خلفه بقوة.
لماذا؟ كيف؟ ماذا سأفعل؟ هل أستطيع أن أعيش هكذا وحدي؟ في هذه اللحظة أنا مجرد أسئلة مشتتة، شفاف تمامًا وبلا حدود.  
أحس برعشة قوية وخوف قاتل، أتمدد وأنكمش بسرعة هائلة حزينًا ووحيدًا.
اعتدت على هذا الجسد القذر الذي رحل، اعتدت على حواسه وأطرافه، على الحيز الذي امتلأ به، أنا الآن أسبح بدونه في الفراغ.
كان يجب أن أفكر سريعًا في الاحتواء، خفت أن أضيع، حاولت أن أنظر من النافذة لربما أجده عائدًا في الطريق، لكن عندما اقتربت من الحافة خفت أن أطير منها ولا أستطيع أن أسيطر على خفتي فأرتفع في الهواء.
 حاولت في هذه اللحظة أن أتجسّد في أي شيء أمامي، لكن كل ما يحيطني كان جمادًا باردًا جدًا.
شعرت بالاشمئزاز حين تخيلت أنني صرت كرسيًا أو مصباحًا - أووووف ليتني أستطيع الحصول على سيجارة الآن - أخذت أدور في الشقة في محاولة  للتجسد، الملابس لها يدين وتتجول في كل مكان، لكن ماذا لو صرت معطفًا مهملًا لا يخرج من الخِزانة؟ التلفاز لا يمشي، لا يتنفس؛ جماد مهما احتوى على حيوات بداخله، نبتة في الشرفة؟ صورة على الحائط؟ أو لا شيء. 
عاد في المساء، استقبلته فرحًا بالنجاة، كنت أتمدد لأصير غرفة كاملة أحاوطه وأضمه، لكنه كان يشق طريقه خلالي، لا يراني، لا يحس بي، يعبرني كأنني لست موجودًا. جلس على الأريكة القديمة وأشعل سيجارة، بدا سعيدًا جدًا كأن شيئًا لم يكن، ثم تمدّد ونام.
كان شعورًا قاتلًا لو كنت داخل جسد الآن لصرخت بشدة وركلت الأرض بكل عزمي، لكسرت المرايا وهمت على وجهي كالمجنون من الألم لكنني مجرد طيف، كل ما استطعت أن أفعله هو أن أطفئ شمعة، أحرك الأوراق من على المنضدة أو أسكب كوب القهوة. 
مرت أيام وأسابيع، كل دقيقة كنت أحارب فيها للعودة معًا، بينما هو مستسلم تمامًا، تغير كل شيء فيه وحوله بسرعة، قصة شعر وملابس مختلفة، طلاء جديد للجدران، تلفاز كبير، وأريكة تبدو مريحة جدًا. المرأة التي أحببناها وكانت بعيدة كالشمس أتت كأن معجزة ما حصلت مرة أو مرتين ثم اختفت. حلت مكانها أخريات وحفلات ساهرة مع الأصدقاء وآخرين لم أرهم أبدًا. 
حتى أن رئيس العمل بنفسه تناول هنا العشاء في أحد المساءات. 
في يوم ما أتى ذابلًا، شاحب الوجه، حزينًا ومريضًا بدرجة لم أرها من قبل. آه ماذا فعلت أيها الأحمق؟ هل ظننت أنك ستنجو بدوني؟ 
كنت أتخيل نهايتنا دائمًا على سرير مشفى في عمر الثمانين، محاطًا بالعائلة أودعهم في صمت ثم أرحل خارجًا من النافذة إلى السماء مباشرة. لكن ما حدث أربكني. أنا خائف من الرحيل.
في آخر الليل أنكمش في زاوية الصالة وأنفض عني الخلايا التي ماتت فتصير خيوط عنكبوت. 
بينما هو نائم على الأريكة يستيقظ كل يوم ليزيل جزءًا ما ميتًا من جسده قبل أن يصيبه العفن ويذهب إلى الخارج. 
رأيته أيامًا بعكاز وبعكازين وزاحفًا على الأرض. 
بينما كنت أنكمش لأصير نقطة.