للموت فضاءات أرحب

قالوا مات شهيدًا، شاهده أحدهم في الميدان يرفع علم مصر خفاقًا ويجهر بصوتٍ عالٍ، كانت تهتز له أساسات البيوت القديمة في محيط الميدان، وكانت ترتجف قلوب الملايين خلفه وهو يزأر «تحيا مصر» قبل أن تصيبه رصاصة أحد القناصة من فوق أحد البيوت التي لم تهو أساستها من الهتاف كغيرها، وقالوا لم يكن واحدًا من الثوار بل كان يواعد محبوبته ليراها خلسة في الميدان حيث لا يرقب أحدٌ أحدًا، وحين أخبرته أنها ستتزوج غيره هاج وماج وصوب قلبه تجاه رصاصة خرجت من بندقية أحد القناصة كان يريد أن يصيد بها الغربان التي كانت تعتلي الميدان خشية أن يتشاءم منها الثوار فيتفرقون.
 وقالوا مات على سريره، رجع من عمله عصرًا، لعب مع طفله الذي لم يتعد عمره أصابع اليد الواحدة ثُمَّ تناول وجبة الغداء ومدد جسده العفي على السرير وطلب كوبًا من الشاي، وحين دخلت عليه زوجته بالشاي وجدته مات، حسده جيرانه على تلك الميتة الهادئة، ولِمَ لا وهو لم يتردد كغيره على عيادات الأطباء، قالت أمه وهي تضع طفله اليتيم على حجرها وتمسح على رأسه وهي تتلقى واجب العزاء أنَّ أباه وجده ماتا نفس تلك الميتة وفي نفس سنه تقريبًا.
 وقالوا مات في حادث سير، كان يعبر الطريق فصدمته سيارة فارهة، وحسب أقوال الشهود كان يقودها شابٌ مفتول العضلات يرتدي تيشيرتًا أبيض مرسومًا عليه جيفارا، وإلى جواره كانت تجلس فتاة زرقاء العينين، كان يعانقها بقوة ويقبلها، واختلف الشهود لفريقين: فريق يؤكد أنه كان يقبل شفتها العليا، بينما يقسم الفــريق الآخر أنه كان يقبل الشفة السفلى، سجلت القضية ضد مجهول لأنه لم يتمكن أحد من الشهود من التقاط أرقام السيارة.
وقالوا مات من الضحك، قال صديقه نكتة وهم يتناوبون على سيجارة حشيش، ففتح فاهه بقوة يضحك حتى بانت نواجزه ومات قبل أن يغلق فاهه، حين شاهد المغسل ابتسامته أخذ يكبر بصوتٍ عالٍ وهاتف كل تلاميذه ليأتوا لمشاهدة عبدٍ رُزق حسن الخاتمة، هرول التلاميذ إليه ليشهدوا الغسل وأخذوا يلتقطون الصور للميت بهواتفهم خلسة، وميض هواتفهم أضاء وجهه مما جعل تلك الصورة تلقى رواجًا كثيرًا على كل مواقع التواصل الاجتماعي، وكل مَنْ شاهدها كان يعلق باللهم ارزقنا خاتمة كخاتمته إلا صديقه الذي راح يرد على كل تلك التعليقات بكتابة آخر نكتة قالها لصديقه.
وقالوا مات في أحد أقسام الشرطة وكان يبدو عليه بعض آثار التعذيب في منطقة الرقبة، لكن تقرير الطبيب الشرعي أكد أنَّ الجروح التي كانت في رقبته سببها 
تقبيل زوجته له، ولم تكذب هي الخبر أو
 ربما لم يسألها أحد عن تلك الواقعة من الأساس.
قالوا في نشرة أخبار التاسعة مات وهو يعبئ زجاجات المولتوف ليلقيها داخل إحدى المنشآت الحكومية، وأنه كان يسعى لإحراق البلاد، لكن صغيرته حين سمعت مذيع النشرة يلقي الخبر بكت وقالت: «كيف وأبي هو مَنْ علمني ألا ألعب بالنار».
قالوا وقالوا وقالوا عن سبب وفاته، لكن انتهت التحقيقات الرسمية إلى أن «جاءته رسالة يومًا عبر الفيس بوك من رجل لا يعرفه يقسم أنه حلم بأحد الصالحين وطلب منه أن يرسل هذه الرسالة لعشر وإلا سيموت فأهملها ومات» ■