- بواسطة منار طه
- الدولة مصر
اعتصر قلبي صوت صرخة ابنتي المذعورة التي سارعت بإلجام فمها لتكتم صرختها فتتحول لنحيب مكتوم. كانت منكمشة في زاوية الغرفة ترتجف رعبًا وكأن لرجفاتها صوت أزيز هاتف أجبر على الوضع الصامت. يقف أمامها ذلك المارد المشتعل المقيت الذي يقتحم منزلنا فتتلون جدرانه بلون أحمر قاني كلون الدم، فتفوح منه رائحة العنف ويدق ناقوس الخطر. ذلك الوغد ينتهك أماننا وينهال بالضرب على زوجتي أمام ابنتي دون سبب أو مبرر وكأنه خلق في هذا العالم فقط لإذلالهما، ثم يختفي لينقشع ظلام ظلمه وتشرق شمس باهتة تعكس الضوء على جروح نفوسنا جميعًا. جرح شريكة حياة وفلذة كبد يسيطر عليهما الخوف من ظهور ذلك المارد طوال الوقت، فتمارسان حياتهما بوجه شاحب وقلب مضطرب. وجرحي أنا بسبب ضعفي وعدم قدرتي على حمايتهما، فالأمر مفزع ومريع لي كرجل. كيف أفشل في حماية أسرتي؟ في كل مرة أتعهد لهما بحمايتهما منه إذا عاود الظهور. وفي كل مرة أنكث العهد تسيرًا لا تخيرًا. كانت قوته مفرطة وكنت أحترق محاولًا إيقافه ومنعه من أذيتهما وتحطيمهما، فأحاول دفعه تارة وشده تارة وضربه تارة وتارة وتارة، ولا أجني سوى المرارة. لم يكن ذلك ما يؤلمني فقط، فقد كان هناك ما هو أكبر. ذلك المارد يشبهني تمامًا، فتظن زوجتي وابنتي أنه أنا. هو حقًا يشبهني ولكن عينيه حمراوان بلون النار. بشرته جافة وكأنها أرض قاحلة لم ترو من قبل، أظافره حادة كأظافر وحش براري مفترس، يسيل من فمه لعاب قذر يحرق كل ما يسقط عليه وكأنه أكسير الموت. أشعر بالألم يعتصر قلبي بعد اختفائه وأنا أمد يدي برحمة لابنتي وزوجتي المحطمتين فتنكمشان خوفًا وتعلو صرخاتهما ظنًا منهما بأني سأضربهما. أخبرهما بأني لست من فعل ذلك. إنه ذلك المارد الذي يظهر من العدم ويرحل وقد هدم، ولكن تظل نظرات الفزع في عيني ابنتي وزوجتي، تلك النظرات التي ترمقانني بها وكأنني من جلدهما وآذهما. ذلك الكائن البغيض يفزعهما لدرجة أنهما لا تلحظان غيره فلا تريان جسدي ولا تشعران بمحاولاتي للدفاع عنهما. لا أجد ما يهدئ روعهما بعد رحيله سوى أن أعدهما بأني سأسيطر عليه إن عاود الظهور، ولن أسمح له باقتحام حياتنا وتخريبها. وبعد الكثير من الوعود تنظران لبعضهما البعض بتعجب ولسان حالهما يقول سبحان مغير الأحوال، من مارد قاسٍ مجنون، لرجل محب حنون. انتبهت لعدم وجود قرط زوجتي، تألمت ظنًا مني أنه سقط من أثر صفعات المارد لها ولكني لم أجده على الأرض. نظرت مرة أخرى لأذن زوجتي وسألتها بحنان: أسقط قرطك؟ سأشتري لك غيره. نظرت لي بخوف غير مبرر لم أفهمه. وبهمهمة منخفضة مرتعشة وكلمات بالكاد استطعت فهمها أخبرتني أن أخاها احتاجه ليوسع تجارته. تفاجأت. كيف تهدي قرطها لأخيها دون إذني؟ صحيح أنها اقتنته من مالها الخاص لكنها لم تستأذني. اجتاحني غضب شديد. كيف تجرؤ على تهميشي وتجاهل رجولتي؟ أنا رجل هذا المنزل. كنت أحاول السيطرة على نفسي ولكن زوجتي تجاوزت بتصرفها جميع حدود المعقول. شعرت بحرارة تسري في جسدي حتى تشقق غطاء جسدي وبرزت أظفاري. كانت عيناي تشتعلان غضبًا، لم أكن أتذكر ما أوجه لها من كلمات غاضبة ولكني كنت أراها تذبل مع كل كلمة أنطقها وكأني أسكب عليها «أكسير حارق»، ثم فوجئت بشبيهي المارد ظهر من العدم وبدأ بتحطيمها. أشفقت على ابنتي المرتعدة عندما رأته. حاولت حمايتهما منه ولكنه كان أقوى مني بكثير ■