الواحدة زوالاً

 أنْحَصِرُ في زاوية فراشي والغيض ينهش جسدي شيئًا فشيئًا، ناهيني عن ارتفاع درجة حرارتي والقشعريرة المتواصلة، فهذا ما يحدث لي غالبًا حين أعيش تحت وطأة الشجار، فلقد كانت تحدثني أمي مرارًا بأن هذا العيب وراثي في عائلتنا. نعم، ها أنا في خضم خصام، وليس مع أي شخص آخر، بل مع أمي والسبب هو تماطلي في الانتقال لبيتي الجديد وترك زوجتي لدى أهلها شهورًا عدة، وعلى ما يبدو أنني لن أَرْضَخَ لأمرها هذه المرة أبدًا فلطالما عرفت ظروفي القاسية، فأنا مازلت بحاجة للمزيد من الوقت، لكنها قد أقسمت إن تجاوزت الساعة الواحدة زوالًا لهذا اليوم فلن تسامحني البتة.
ترتجف أطرافي مدة قصيرة، ثم أغمض عيني وأبدأ في أرجحة رأسي يمينًا وشمالًا. أتشنج قليلًا ثم أحدث نفسي المسكينة: «هي تعلم بحالتي، مصاريف زوجتي، ديوني، والأكثر من هذا مصاريف ابني المولود حديثًا. هي لا تقدر وضعي». 
يرن هاتفي، لكنني أخرسه بإطفائه كليًا دون معرفة هوية المتصل حتى، أنظر لساعة الحائط لأجد أن الساعة قاربت الثانية عشرة بعد الزوال. يعود القلق ليدفع بأعصابي للهاوية مجددًا فينجرف جسدي معه مثل الغريق. أنادي لأبي ليخبرني عن الوقت فيجيب: «ما بالك بني، ساعة الحائط أمامك». 
بعد مدة أسمع صوت الباب لأعرف أن أبي غادر مودعًا. توترني عقارب الساعة حين تسرق الدقائق الأخيرة، أتمنى لو تتوقف لبضع لحظات فقط، فأمي رغم حبها الكبير لي فهي شديدة الصرامة حين يتعلق الأمر بالقَسَمِ. يا إلهي ما الذي أفعله الآن، الأمر خارج نطاق قدرتي، لم أرفض لأمي طلبًا منذ كنت صغيرًا لكن بعد زواجي كثرت الجدالات معها ولا أريد إغضابها. يمر الوقت فتسحب الساعة الحائطية رأسي لأكتشف أنه لم يبق من الوقت إلا عشر دقائق. شهيق يتبعه زفير، أفكار وهواجس عديدة تقطع حبل أفكاري، لا تتوقف قدماي عن الاهتزاز وأصابعي عن الاشتباك. تبًا، لم أجنِ من هذه العائلة سوى انفلات الأعصاب والتوتر الحاد.
يمر الوقت بسرعة، أحمل هاتفي مقررًا أن أعتذر من أمي وفجأة أسمع صوت طرق الباب. قبل أن أتوجه إليه أتفقد الساعة لأجد أنه قد بقي خمس دقائق فقط لتبلغ الساعة الواحدة. في عجلة أذهب ناحية الباب وأفتحه لأتفاجأ بأختي ميساء قد عادت من المدرسة في غير وقتها. أبادر بالسؤال: «ما بالك عدت في هذا الوقت المبكر».
تجيب بابتسامة عريضة: «لا مطلقًا، هذا هو وقت عودتي». 
أرد: «تُشِيرُ ساعة الحائط للواحدة إلا خمس دقائق، ما الذي تقولينه».
هي: «ساعة الحائط معطلة وهي تزيد بساعة كاملة عن الوقت الفعلي، ولقد نسيت أن أخبرك بذلك عند الصباح».
«تزورني صدمة قاتلة، ثم أصرخ ما الذي تتفوهين به. هل يعني أن الساعة الآن هي الثانية بعد الزوال». أهرع ناحية هاتفي، أشغله وأتفاجأ باتصالات والدي الكثيرة. أخرج من البيت مهرولًا، أتصل بوالدي فأسمعه يجهش بالبكاء ثم أسمع منه أسوأ خبر في حياتي. توفيت أمي جراء نوبة قلبية، توفيت تحت ضغط أعصابها، توفيت وهي تنظر للساعة على أمل أن أعود معتذرًا لكنني لم أفعل بسبب عنادي الشديد وبسبب ساعة الحائط البائسة.