مندوب وزارة

في المقهى الذي اعتادت أن تنتظر فيه صديقتها بعد العمل، كانت تجلس قرب النافذة، تشرب الشاي وتتناول فطيرة جبن الماعز. كان جو المقهى عابقًا بدخان مرتاديه الذين لا يتبدلون، محشورين في قاعة صغيرة تقشرت جدرانها العنابية بفعل الزمن. كانت تنقل نظرها بين الوجوه، حينها لمحت شابًا يرتدي معطف ترانشكوت باليًا ويحمل بيده ما بدا أنه مجلد كبير. توجه الشاب نحوها وكأنه يعرفها. سرت قشعريرة حادة في جسدها بينما كان يبعد الكراسي ويجلس على طاولتها دون استئذان أو تحية.  همد لبرهة ليلتقط أنفاسه، ثم فتح المجلد الأحمر الذي أمامه وبدأ بالتعريف عن نفسه. أخبرها أنه مندوب وزارة السكان، وأنها حازت على قرض استثنائي يدعى قرض الحظ. «قرض الحظ هذا لا يحصل عليه إلا قلة من الناس»، قالها بصوت يصدح بالحماسة. رفعت حاجبيها وأجابت بنبرة حادة: أخبرني من أنت، وهل تعرفني؟ أنا لم أتقدم للحصول على قرض، لا بد أنك مخطئ. 
نظرت حولها، الوجوه الضجرة نفسها، لم يلق أحد بالًا لصوتها المرتفع. 
تابعت: أمن الشائع أن ترسل الوزارة موظفيها لملاحقة المواطنين دون إبلاغهم. رد بثقة: أخبرتك أن هذا القرض استثنائي، كما أني لست مخطئًا، أنا أعرفك تمامًا، نحن نعرف الجميع. لكن ليس هذا ما يهمني، سأطلعك على شروط الاستفادة من القرض لبدء تسجيل الاستمارة.
تبادر لذهنها احتمالية أن يكون الشاب مختلًا، أو أن يكون الأمر مزحة من أصدقائها، لذا قررت التعامل مع الموقف باستهزاء، لا سيما وأن الشاب لم يعد يثير فيها أي خوف أو قلق منذ أن تحدث بنبرته البلهاء. وضعت جوالها على الطاولة وقالت مستسلمة: حسنًا أيها الموظف، أخبرني ما لديك.
ابتسم الشاب وشرع يقرأ من المجلد: 
آنستي، يتبين لي هنا أنك تمتلكين عشرين سنة مجانية يمكنك إضافتها لحياة شخص من اختيارك، باستثنائك أنت طبعًا. الشخص الذي ستختارينه الآن، ما إن يدَون اسمه في الدفتر الكبير الذي أمامي، حتى يحظى بعشرين سنة إضافية من الحياة الصحية.
أطلقت الفتاة ضحكة مجلجلة وقالت:
هل هذا مقلب؟ احمل دفترك وارحل عن طاولتي.
أخفض الشاب رأسه وصمت لبرهة ثم قال برصانة:
آنستي، لست أمزح. وإن كان، لنعتبرها مزحة، ولكن أخبريني، إن كان بيدك قدرة سحرية على إطالة عمر شخص ما، من سيكون؟
قال ذلك وهو ينظر مباشرة إلى عينيها.
بعد صمت دام لدقيقة، زمت شفتيها وأجابت: والدي بالطبع. 
أمعن الشاب النظر بالدفتر وقال: لماذا؟ 
أجابت: يعاني والدي من مرض القلب، كما أنه تقدم بالسن. ماما شابة تصغر أبي بعشرين عامًا.
 والآن قد أعطيتك ما تريد، هل يمكنك أن تدعني وشأني؟
دوّن الشاب ملاحظات، ثم قال:
كان من المفترض أن يموت والدك بعد عشر سنوات من اليوم، في اليوم الأول من شهر فبراير في عام 2032، ولكن وبعد تزويده بالقرض إياه سيعيش حتى عام 2052.
أطلقت الفتاة زفرة دفعت الشاب إلى إغلاق الدفتر والمضي دون أن ينبس بكلمة. ظلت عيناها معلقتين به، وقبل أن يخرج من باب المقهى نظر إليها ومسحة من الهم قد اعتلت وجهه.
بعد رحيله تذكرت أنه لا يوجد ما يسمى وزارة السكان في البلاد.
كان قد مرّ عام منذ ذلك اليوم حين توفيت والدة الفتاة بحادث سير عن عمر يناهز السادسة والأربعين. دهستها شاحنة خرجت عن سيطرة سائقها الذي كان مخمورًا. مات والدها بعد ثلاثين عامًا من ذلك اليوم، في التسعين من العمر، عاش خلالها بصحة جيدة وشقاء لا حدود له.