مجرد طالب

في طريقي إلى استكشاف أُولى خطواتي، في مدينة زاكُورةَ في أقصى أقاصي المغرب المنسي، حيث ستترسَّمُ بعد أشهر قليلة طموحاتي وأحلامي مع انطلاقة الموسم الدراسي الجديد، تجمعني مقاعد الحافلة المتجهة من إِنْزْكَانَ إلى زاكورةَ بشاب أول ما لمحته، لمحتُ نفسي، يوم بدأتُ أشقُّ طريقي نحو مستقبل مهني أفخر به، وها أنا ذا أداعبُ خيالي بأن أتفرّس نفسي في وجه هذا الفتى، وأتفرس فيه مشروع مُدرِّسٍ مثلي.
بعد تلك المقدمة الروتينية عن التعارف، أطلق الشاب العنان ليحكي قصته عن سنته الأولى في كلية القانون بأكادير، تذكرته وتذكَّرتُ كيف ردّ علي بعد أن عرَّفته بنفسي، وقال: أنا عزيز... مجردُ طالب... وتبسم.
وضعت أفكاري جانبًا واستسلمت لغريزة الفضول، وتابعت كلمات الفتى عزيز بإنصات، وقال أول ما قال، أنه سيحكي كل شي حصل معه من سنة بالضبط.
أمي - يقول عزيز - ودّعتني وهي تسألني أن أعتني بنفسي، وأن لا أنسى أن أبعثَ ببعض المال متى ما استلمت أول دُفعة من منحة الجامعة، ويستطرد عزيز: كنت أعرف أن هناك دينًا علي أن أؤديه لأبي فهو اقترض ألفي درهم، بدأت بها مشواري في الجامعة، دفعت منها مصاريف الإيجار والمعيشة، وكل مرة كنت أنتظر تلك المنحة... التي تأتي على ثلاث دفعات.
أكادير مدينة المُغريات، جعلتني في البداية أنسحب نحو غرفتي التي استأجرها مع ثلاثة طلبة مثلي، اتخذت لي في البداية لوحًا خشبيًا أكتب عليه سور القرآن، أستيقظ فجرًا أحفظ ما تيسر لي، ثم ما لبثت أن بحثت عن رفيقة تخرجني من عزلتي، طالبة مثلي تتشابه ظروفنا لكنها كانت أكثر حرصًا مني على تحقيق كل شيء تتمناه، قالت لي لابد أن تتمسك بحلمك في أن تكون محاميًا، لكنني كنت كل مرة أتحجج بظروفي وضائقتي المادية... لكنها كانت ترد: المنحة ستحل كل مشاكلنا.
ذات يوم فتحت صفحة الفيسبوك على هاتفها المحمول أمامي، وبدأت تقرأ منشورًا عن حاجة شركة توصيلات لمناديب توصيل، نظرت إلي، وفرحت، وبعدها بيوم أجد نفسي في مكتب الشركة.
عرف مني المشرف سني ومستواي الدراسي، ومدى إلمامي بوظيفة التوصيل، ثم عن درايتي بالمدينة، أحيائها ومعالمها... وافق على الفور أن أشتغل مع الشركة، لكن، طلب مني ملأ التزام الشركة، ونسخة من البطاقة الوطنية، وطبعًا وثائق الدراجة النارية… أسقط في يدي، من أين لي بدراجة نارية؟
تركت المكتب، وجدتني أجالس صديقتي في هوامش حديقة الجامعة، نبحث على الإنترنت عن أسعار الدراجات النارية، قلت حسنا، سأدخر من المنح وسأشتري الدراجة، وسأعمل وهكذا تتحسن ظروفي... نظرت إلى عيون صديقتي وأحسست بأني صرت رجلاً حقيقيًا.
 جاءت الدفعة الأولى من المنحة وزعتها على بعض ديوني، وتأجل حلمي إلى الدفعة الأخرى، جاءت الثانية وأجلتُ مشروعي إلى الثالثة بعد أن عدتُ بصفر درهم، وقد دفعتُ كل ما علي من ديون والتزامات.
 هي الدفعة الثالثة إذن ستحل كل مشاكلي، هكذا كنت سأقول لصديقتي قبل أن أسمع وقع جوالي على الأرض وهو يسقط من يدي وينكسر، جاءت الدفعة الثالثة، اشتريت جوالاً، وكي أبارك جوالي الجديد، لم أتصل بصديقتي، اخترت أن يكون أول اتصال بأمي، والتي بمجرد ما سمعتْ صوتي، طلبتْ مالاً من مديونية أبي.
 قاومت كل مغريات المدينة، وحاولت أن أحقق حلمي البسيط، لكنني وجدتني أدفع مصاريف أخرى وديونًا تراكمت علي مثل كل مرة، وها أنا جنبك هنا أؤجل مشروعي الى بداية العام المقبل... لأني - ببساطة - مجرد طالب■