ألوان الحياة

جلستُ على الكرسي الجلد، ارتفع بي قليلًا. ثبتُّ ذقني ونظرتُ من خلال الآلة. رأيتُ منطادًا ملوّنًا يحلّق بعيدًا، لا يشبه مناطيد كبادوكيا، ربما يشبه مناطيد أفلام الكرتون.
«حسنًا»، قال الطبيب: «هل يعاني أحد من أفراد أسرتك من مشاكل في العين؟».
أجبتُ بالنفي.
ثمّ طلب مني قراءة أحرف ترتسم على لوح مضيء على الحائط. كانت الأحرف تصغر تدريجيًا حتى يمسي بعضها لا يشبه أحرف الأبجدية التي أعرفها بتاتًا.
أمسك بشيء يشبه نظارة معدنية، ألبسني إياها بهدوء. اختار عدسات دائرية من مجموعة عدسات يشبه اصطفافها في علبة كبيرة أفواجًا من العسكر، وراح يطلب مني مجدّدًا أن أقرأ الأحرف التي تظهر أمامي ويعدّل العدسات.
أمسك بورقة وكتب عليها أرقامًا وأخبرني أنّي أحتاج إلى نظارات كي أرى ما حولي أوضح.
قصدتُ محلّ بيع النظارات واخترتُ إطارًا واستلمتُ نظاراتي في اليوم التالي.
لم أكن أدرك أنّ ألوان الحياة ستتغير لهذه الدرجة!
بتُّ أرى الناس والأشياء وكل ما حولي على حقيقته.
شاهدت ألوان الحياة... شاهدتها بوضوح.
شاهدتُ اللون الرمادي على ملابس ولد يحمل الحجارة صباحًا في مشروع بناء مركز تجاري فخم في المدينة، واللون البنيّ على جبهته المرطبة بقطرات العرق عند الظهيرة، واللون الرصاصيّ على يديه حين يعمل في محلّ تصليح إطارات السيارات مساءً، واللون الأحمر دم يسيل من جسده الذي أصابه الرصاص العشوائي في احتفال في البلدة، واللون الأسود في ملابس أمّه التي لم تكن تعلم أنّها ستودّعه في ذلك اليوم.
رأيتُ كل الألوان وكل المشاهد، كلها واضحة! كلها على حقيقتها!
أهكذا تبدو الحقيقة؟
ألوان الحياة قاسية غير مبهجة.
عدتُ إلى غرفتي. خلعتُ نظاراتي. قرّرتُ ألا ألبسها في حياتي أبدًا.