«أبرع من حمل السيف»

«أبرعُ من حمل السيف... ونظّف به الأسماك» هكذا فكّرت وأنا أقف في الصّف لأنتظر دوري لتنظيف سمكي، مُقرّرة أن أقضي وقت الانتظار في تأمّله -كأنّي لا أفعل ذلك في كلّ مرة- المشكلة في الانتظار عنده أنه لا يمكنك فعل شيء سوى الوقوف. 
في الواقع، يمكنك مداعبة طفل أو شراء ربطة نعناع بعد التمهّل في انتقائها، أو حتى الذهاب عند الّذي يبيع كل شيء بدرهم والعبث بأغراضه - عيبُ هذه الأغراض أنها تساوي ثمنها فعلا- إلّا أن الطفل وأنت ستملّان، ووقت شراء النعناع قصير مهما طال، والذي يبيع كلّ شيء بدرهم سيضايقه وقوفك الطّويل ثم شراء شيء واحد والانصراف، لذلك لا بأس بالانتظار وقوفا وتأمّل عمليّة تنظيف السمك ومحاولة معرفة أكبر قدر من المعلومات عن صاحبها من خلال النظر فقط.
«تنظيف الأسماك في دقائق عند هشام»، أفكر في مصداقيّة العبارة خصوصا في كلمة «دقائق». في الواقع، هو ينظّف لك كيلوين سردين في دقائق فعلا، لكن انتظار الدّور قد يستغرق ما هو أطول من ذلك بكثير.
يملك هشام علبة سجائر لا يمكنني تحديد نوعها وربع كأس قهوة وراديو، يدخّن السيجارة كاملة بطرف فمه دون لمسها، ويشرب رشفة من ربع الكأس ذاك بين كل طلب وطلب، لكنه يظل دائما ربع كأس لا يزيد ولا ينقص، أما الراديو فلم أسمع له صوتا يوما ومع ذلك فلم ينس هشام إحضاره قط.
إضافة إلى ذكائي المنخفض في الجغرافيا - إذ يمكن أن أضيع عن القاعة التي تركت فيها أغراضي إن لم أركز جيدا- فأنا لا أستطيع تحديد الأعمار، أفكر:
- عشرون؟ غير معقول، فهو أكبر منّي حتما.
- ثلاثون؟ أستحضر شخصا في الثلاثين وأقارن بينها، هشام يبدو أكبر.
- أربعون؟ لا أدري، تبدو أربعون كثيرة عليه.
- خمسة وثلاثون؟ هنا أضيع تماما فأقرر أنه بين الثلاثين والخامسة والأربعين.
ندوبه الكثيرة تُذكّرك ببحار...أو بلطجيّ سابق، شراهته في التّدخين، جديّته التامّة في العمل، الأجر القليل الّذي يتقاضاه، احتفاظه بطاقته وسرعته لساعة الذروة، ومئزره الذي تمنيت لو أن لي واحدا مثله، كلها ملاحظات لم أستطع أن أستخرج منها شيئًا سوى أنه ليس زورو وأنّني لست شارلوك هولمز ■