«دموع تمساح»

لربما كان يُحكى عنه لكنه فى غالب الأمر قد سَمع عنه همسا من سمع أنه فى يوم من الأيام خرج - ذاك الكائن مخيف الذكر- وهو جائع يبحث عن فريسة ليلتهمها. كان يتحرك بعدم اكتراث لما يحيط به وترفع تحركاته راية المُلْكِ لمَلِكٍ واثق لا ينازعه - ولا يستطيع أن يفكر أن ينازعه - فى مُلْكِه مخلوق.
لم يكن يفكر فى ماهية الفريسة القادمة ولا حتى فى قدراتها فى الدفاع عن نفسها فمن تكون هذه الفريسة لتقاوم قوة فكه وحدّة أسنانه؟
 ومن أين لها بوسيلة دفاعية تؤهلها لإحداث ولو حتى خدوش فى جلده السميك ودرعه الواقى؟
نظر التمساح خلفه ليرى ذيله المرعب فتذكر البيضة التى خرج منها وكيف كانت حالته حين كسرها لينطلق الى حياة لا يعلم عنها شيئا سوى أنه يحبها ويحب أن يحياها سعيدا.
 وهنا سقطت دموعه فلقد كان هناك فارق كبير بينه - حال خروجه من البيضة - وبينه هو نفسه الآن ويكأنه تمساح آخر.
 ولكنه فى قرارة ذاته يعلم أنه هو نفسه ولم يتغير فيه شيء ولكن تغير عليه الكثير.
انسكبت عنه دموعه حينما تذكر خوفه الشديد من أقرانه فى المستنقع ونعومة جلده وحداثة أسنانه وضعف فكه والتفاف ذيله عليه وكأنه خائفا أن يتمدد فينقطع.
انهمرت دموعه حين تذكر ذلك الشك الذى كاد أن يلتهمه وهو صغير. كان يشك فى كل شيء. شك أحال حياته الى جحيم فمن أين له بهذا المُلك الذى وعدته به البيضة وهو لا يستطيع حتى أن يفك التواء ذيله ومن أين له بدرعه المخيف وكل شيء حوله يجرحه ويترك أثره على جلده.
لقد كان يشك فى قدرته على إكمال الحياة ذاتها فكيف يستطيع حتى الأكل وكل شيء حوله يكسر عنه أسنانه ويؤلم له فكه؟
انهمرت دموعه كثيرا وهو يهجم على فريسته غير مبال بضرباتها وهى تحاول الفِكاك منه ولا مكترث لمنازعتها فكه وأسنانه.
قد يقولون عن دموعه أنها دموع كاذبة مخالفين لذلك طبيعة الأمور وضروريات الحياة . إنه لا يخشى أحدا ليكذب عليه
 إنها دموع الثقة ياسادة...
دموع رحلة اجتازها التمساح وتجربة معرفية تعلم من خلالها أن الدرع لكي يحميه لابد له من ندبات لن تُصنَع إلا من جروح وآلام.
 وأسنان قوية لن تنبت مكانها إلا بتكسير الأسنان الضعيفة. وذيل وفك مرعبين لن يقويا الا بالتمدد والمجاهدة والعناء والشقاء. 
قطع التمساح رحلته من البيضة الى سيادة المستنقع ليتعلم أن البيضة - وإن وهبت الحياة- لكنها لا تهب الثقة بالذات وأن اجتياز المصاعب فقط هو من يصنعها والمكانة لا تُورَّث ولكنها تأتى استحقاق جروح وآلام صعد عليها هذا الكائن المناضل. 
وبالرغم من أن دموع أى كائن تستجلب له العطف والشفقة من الناظرين اليه إلّا دموع التمساح فهى مجلبة للحذر منه وتزيد من شعور الناظر إليه بالخطر، فدموع هذا التمساح  دليل على نجاحه فى اجتياز رحلة يتعرف بها على ذاته... إنه الآن يعرف نفسه جيدا ويثق بقدراته وبأدواته.
واستوى التمساح الآن على المستنقع يخاف المخلوقات حتى من مجرد ذكر اسمه ناهيك عن منازعته ملكه.
دموع التمساح ليست كاذبة ولكنها دموع واثقة، حين تراها فى أعين التمساح اعلم انك لن تخيفه وتأكد أنه سيأخذ ما يريد فلقد اجتاز ما هو اصعب من ذلك.