- بواسطة محمد حسن عبدالجواد
- الدولة مصر
في الآونة الأخيرة كانت حركته ليس كما اعتاد... كان يشعر بأن هناك خللاً ما... شيئًا ليس على ما يرام... ففي البداية، أعني البداية التي يذكرها كان يتحرك بثبات، وكان الصوت يخرج مع شفتيه تمامًا، الأوتار تجذب ساعده فيتحرك، تجذب قدميه فيتحرك، حتى فمه تخرج مع حركته الأصوات.
كان يتحدث بأشياء هو حتى لا يفهمها، لكنه كان يقولها، بالتأكيد كان يقولها وإلا كيف يتحرك فمه خلالها، وكان الناس يضحكون حين يقول تلك الكلمات، كان كل شيء يحدث دون إرادة منه، لكنه لم يكن يكترث لذلك، كان مرتاحًا لتلك الحقيقة، لردح من الزمن كان كذلك أنه راض وهذه كانت سعادة.
كان لا يفكر... ولا يقوم بشيء فعليًا لم يقم بشيء يريده... حتى لا يعلم ما معنى كلمة الإرادة، لكن... في الآونة الأخيرة لم تعد الأمور كما كانت، لم يعد الناس يضحكون حين يتحرك، ولم يعد الناس يضحكون حين يخرج الصوت خلاله... إنه يتخبط.
وللمرة الأولى أتته فكرة أن يرفع رأسه، ولهذا قصة... أعتقد أنها مثل قصتنا هذه ليست مسلية أيضًا... لا يذكر المرة الأولى ربما لأنها كانت عجيبة لكنها باتت معه وهذا يكفي، كانت بين الحين والآخر، تشاركه الحركات، ويسمع الصوت يخرج معها وكان الناس يضحكون أو يتنهدون وكان هذا صوتًا جديدًا لم يسمعه من قبل، وأحيانًا كان يقترب منها، يقترب منها كثيرًا ثم يقبلها، على شفتيها على وجنتيها... حينها يلحظ أن الجميع يتنهدون بل بعضهم كان يبكي. وعقب وهلة من الصمت تضج الصالة الصغيرة المظلمة بذلك الصوت المزعج، حيث يضرب الناس أكفّهم المفرودة ببعضها البعض مرات ومرات، لقد سمع الكلمة التي تصف ذلك مرات ومرات، التصفيق...آه ... تلك هي... حينها كانوا يخرجون من الصالة المظلمة إلى خلف الأستار... ولسبب ما كانوا يقتربون من جديد يتلامسون من جديد، وفي تلك المرة ظلا معًا طويلاً... لأيام بل لشهور... خرجا إلى العشب الأخضر... وجلسا متجاورين أمام النهر الكبير... لقد كان سعيدًا، تلك الفترة كانت حركته سلسة وكان يخرج أصواتًا ناعمة متناغمة...
لكن فجأة وفي أحد الأيام رآها جواره لا تتحرك... ورأى الخيوط تهتكت وقطعت... اقترب منها، شعر أن حركته باتت كسيحة بطيئة... وقف أمامها ومال على الجسد الصامت، وانسلت بعض القطرات على الوجه المصبوغ الصامت... تحركت شفتاه وقال:
- لما قررت أن تنظري لأعلى...
وهكذا مرت الأيام عليه... لم يعد يخرج إلى الصالات المظلمة لم يعد يتحدث ولم تخرج الأصوات خلاله... وباتت القطرات تهطل عليه كثيرًا... قطرات مالحة حارة... وكان يخرج عبره أصوات مفجعة حزينة... ذلك هو الحين الذي قرر فيه أن ينظر إلى أعلى... حينها أدرك كما أدركتم جميعًا أنه فقط عروس ماريونت تشدها خيوط واهية تحركها أينما يريد المحرك... ذلك الصوت وذلك الفعل وذلك التصفيق والضحك كانت من أجل المحرك... ليست من أجله.
هو فقط شيء أجوف مصنوع من الخشب، شيء هش تربطه مسامير رفيعة، لا يمتلك مشاعر ولا يجب أن يمتلك مشاعر، لا يجب أبدًا أن يفعل، لا يمتلك الغد بل تمتلكه تلك اللحظة التي تخرج فيها الكلمات أو تتحرك فيها الأوتار.
كانت تلك اللحظة في حياة الماريونت الصغير... اللحظة التي تتبع فيها الخيوط صوب الأعلى... هي اللحظة التي أدرك فيها أنه يجب أن يتوقف... وكان المقص المعدني الصدأ هو آخر ما رآه وهو يقطع أطراف الخيط الهش الذي يتعلق به ليتركه يهوي.
ولأن حكايتنا حكايته ليست حكاية المحرك... فيجب أن نتوقف الآن عن السرد.