«دموع الحناء»

كان قد مر شهر كامل على آخر حديث جمعه مع أمه، لم يستطع أي منهما أن يكسر هذا الجليد الذي تراكم بينهما، أو أن يبدد أي منهما تلك الجفوة الحاصلة. 
لا يذكر أنه استطاع ألا يحدث أمه كل هذا الوقت، فقط حدث مرة أن افترقا لمدة شهر ونصف أيام خدمته العسكرية، لكنها وفور انتهاء فترة التدريب أتته تسابق خطوها وتحمل كل ما استطاعت حمله من أكل وملابس وكأنها تعوضه عما فاته أو فاتها من حنان ورعاية. 
لم يحدث بينهما شجار أو ما شابه، لكن شيئا قامت به - بل حصل معها - أثار غضبه ولم يستطع هضمه ولا حتى مواجهتها به فرغم مرور شهر فهو لم يجد بعد طريقة للحديث معها في الأمر. 
لكنه كان قد قرر وضع حد لكل هذا، فاليوم، قام باقتناء هدية بسيطة لها كيس من الحناء كانت قد طلبته منه منذ فترة ليست بالبعيدة، بدت له فكرة مناسبة أن يهديها شيئًا يبقى معها لمدة طويلة نسبيًا، ليقاوم فترات الجفاء القادمة. متوجهًا إليها بعد خروجه من المحل الذي اقتنى منه هديته، شغل تفكيره شيء واحد فقط... كيف سيبدأ حديثه معها؟ 
كل شيء بدا غريبًا في طريقه إليها وأكثر تعقيدًا من كل المرات السابقة، لطالما كان التواصل مع أمه لا يحتاج لأكثر من ابتسامة منها تشرق بين تجاعيد وجهها الجميل لتملأ حياته حياة. 
هو عادة لا يهتم للتفاصيل الصغيرة كافتتاح حوار، أو اختيار هدية فهي مَن علّمته أن جوهر الأشياء هو المهم، لكن هذه المرة بالذات تختلف، فمن بين كل أحاديثهما السابقة كان افتتاح هذا الحوار صعبًا جدًا ومهمًا. 
محاولاً إيجاد مكان لإخفاء علبة سجائره، ارتسمت على وجهه نفس الابتسامة الصفراء التي علته يوم أمسكته أمه فيها يدخن لأول مرة، يومها غضبت عليه فأقسم برأسها أنه لن يعود إلى ذلك أبدًا، طبعًا كان يقصد أنها لن تمسكه يدخن مرة أخرى، مدركًا أن مساعيه في الصلح ستفشل إن هو حنث بقسمه وقام بإخفاء علبة السجائر، واقترب من أمه بعد شهر من الفراق سلم عليها وجلس بجانبها، لكنه لم يقبلها هذه المرة على رغم عادته مع أنه كان يريد ذلك وبشدة، وهي أيضًا كانت على غير عادتها صامتة. لم تكن الأفكار قد تبلورت بعد في ذهنه عن كيفية افتتاح الحديث معها - أيعتذر منها ويطلب المغفرة؟ - هل يلومها ويعاتبها؟ - أم يتجاهلان الموضوع بفتح موضوع آخر جديد كما تعوّدا أن يفعلا دائمًا بعد كل جفوة تحصل بينهما؟ قرر ألا يغامر كثيرًا وأن يقوم بما تعود على فعله: 
أتعلمين أن وليد قرر التقدم للفتاة التي تعرّف عليها مؤخرًا، لكن أمه لم توافق عليها -
مسكين وليد لا يعلم حتى سبب رفض والدته لاختياره؟
أرجو ألا تفعلي ذلك معي يا أمي «قالها مازحًا».  
توقف عن الكلام، وساد صمت رهيب في المكان لم يستطع عندها أن يتمالك نفسه. 
أجهش بالبكاء، تسللت منه دموع استقرت في الوعاء الذي كان قد بدأ يبلل فيه الحناء بالماء، مبلّلة بدموعه وضع الحناء على قبر والدته، ورفع يديه ليقرأ عليها الفاتحة، وبعدها انصرف ■