«كرة الشمس»

رشة من أشعة شمس الصباح غسلت جسدي تحت سماء صافية. الأشعة بها لسعة اقتراب الصيف. سمعت نعيق غراب ولكني لم ألمح من طرف نظري إلا سطوعًا مؤلمًا أدرت ظهري له.
 في منتصف حديقة منزلنا رأيت جسمًا كرويًا يشع ضوءًا أصفر ساطعًا. لم أستطع النظر إليه طويلًا.
لا أعلم إذا والدي لاحظا الجسم الكروي في طريقهما إلى العمل هذا الصباح، ولكنهما لم يذكرا شيئًا خارجًا عن العادة في رسائلهما عبر الواتساب. 
زملائي في المدرسة في طريقهم إلى المتحف الوطني الآن. تخلفّت عن الذهاب بحجة صداع في الرأس. لم يعترض والداي على بقائي في المنزل لعلمهما أن الرحلة اختيارية. 
لبست نظارتي الشمسية وأخذت منشفتي من على تعليقة باب الحمام. رميت المنشقة على الجسم الكروي الذي بدا لي كشمس صغيرة الآن. لم أشعر بأي حرارة آتية من الكرة وهي ما بين يدي، ولم يكن وزنها أكثر من كرة بولينج. وضعت الجسم الكروي في منتصف غرفتي ورفعت عنه المنشفة. الإضاءة التي أتت منه غسلت غرفتي الصغيرة بضوء أصفر ساطع. حجبت نافذة الغرفة. أحسست نفسي متفرجًا وحيدًا في وسط مدرجات ملعب عالمي لكرة القدم.   
وقفت أمام ستار النافذة. بقي في الغرفة رمق ضئيل من الظلام مكّنني من رؤية الموجات البرتقالية النابضة في لب الجسم الكروي.
مستحيل. 
التقطت صورًا بهاتفي الذكي وخرجت من الغرفة على أمل رؤية تفاصيل جديدة للجسم الكروي، لكن جميعها خرجت معرضة إلى الضوء بشكل فادح. بحثت على الإنترنت عن حالة مشابهة ولم أجد أي شيء قريب من الجسم الكروي. الشمس… تفاعلات نووية… درجة حرارة السطح والتي تصل تقريبًا إلى 5778 كلفن…
لففت الكرة بمنشفتي أولًا ومن ثم بمنشفة نظيفة من داخل خزانة الملابس، ولكن الضوء الآتي منها لازال شديد السطوع. من المطبخ جلبت صندوق كرتون خاليًا، ووضعت فيه الكرة الملفوفة بالمنشفتين، ومن فوقهما طبقات متراصة من ملابسي. 
لم أستطع التفكير في شيء بالمدرسة غير كرة الشمس. أهملت واجباتي المدرسية وتفرغت للكرة حتى ساعات الليل المتأخرة بعد عودتي إلى المنزل. ضوء الكرة غسل ذهني بالكامل، وبعد مرور يومين على هذه الحال بدأت تراودني أحلام أجد نفسي بها أمام منارات واقفة في منتصف بحر هائج يأتي منها صوت أذان عذب يدعوني للصلاة، وفي أحلام أخرى كنت في وسط أشكال هندسية إسلامية، أمشي وأقفز من ضلع إلى آخر من الشكل الهندسي الذي علقت فيه يراودني شعور مفزع من الرهبة، فمهما حاولت لم أستطع أن أفلت من حقل التشكيلات الهندسية المتداخلة.
لاحظني أستاذ الأحياء وأنا متشنج على طاولة المدرسة غير قادر على تحريك حتى خنصر من أصابع يديّ. اتصلت المدرسة بأبي وفي الوقت الذي استغرقه للوصول استفقت من الحالة. كان حلمًا سيئًا فقط.  
«أريد الذهاب معك إلى الجامع هذا الأسبوع... صلاة الجمعة» قلت ونحن في السيارة متجهين إلى المنزل. اقتنع أبي أني لم أتلقى قسطًا كافيًا من النوم، وأن ما أحتاجه الآن هو الغرق في نوم عميق.
«بالطبع» قال، وفي نبرة صوته لمسة قلق.
دخلت الجامع وحقيبتي المدرسية على ظهري. فراق ضوء كرة الشمس النابض أصبح مستحيلاً الآن.
«الإسلام والمدينة الفاضلة».. بدأ الإمام خطبته عندما لاحظت تغيرًا في نوعية الضوء داخل الجامع. نظرت إلى الخلف لأرى رمحًا ضوئيًا قد اخترق قماش حقيبتي وأخذ يتسع في المكان بشكل سريع. قفزت من مكاني في صف المصلين باتجاه الحقيبة التي انفجر منها ضوء ناصع غسل العالم.