نداء

تحدّثوا بأن ابنه هو السبب في هذا التحول الغريب؛ أصبح يقرأ في الكتب بعد أن كان جاهلًا. سمعوه يقول: «للعقول غذاء... تمامًا مثل البطون! كما لاحظوا ثمّة تغيّر جذري؛ تلاشي تمامًا سرقة الدقيق، اختفت الطوابير، حلّت الكلمات الطيبة، بدلًا من الشتائم والصوت العالي.

فوجئ الزبائن صباح اليوم بالمعلم حمدون صاحب المخبز قد وضع اسطوانة بجهاز سجلت مسبقًا، وحين أدار زر التشغيل نادى صوت رزين عليهم «مَن يشتري عشرة أرغفة يأخذ كتابًا مجانًا، ومَن يشتري عشرين يأخذ كتابين. الكتب مدعمة من الحكومة تمامًا مثل الخبز".

على مدار ساعات العمل، أخذت تتردد تلك السمفونية بصوتها الهادئ الجميل؛ لكنّها قوبلت بالدهشة والامتعاض ونظرات الاستنكار، وربما بعض الكلمات النابية... والشيء الأغرب أن صاحب المخبز مع نهاية نوبة عمله، وجد أن الخبز قد نفد تمامًا؛ أما الكتب التي كانت مغلّفة بأناقة وطبعاتها فاخرة، تحمل سطورها قيمة الإنسان فلم تنقص كتابًا واحدًا.

 كان الزبائن يأخذون أرغفتهم بيد وبالأخرى يضعون للمعلم حمدون كتبه مكانها على المنضدة كما هي، ثم يغادرون تاركين له الغضبْ والإحباط، حتى أنه همس لنفسه «إنهم يلبون نداء البطون ويتركون العقول تعوي من الجوع".