الزائر

ذات صباح ممطر جلس على كرسيه المتحرك قبالة النافذة كعادته منذ أن غزت الأمراض جسده وبات هو وكرسيه المتحرك صديقين مقربين لا يفترقان.
طرق أذنيه رنين جرس شقته فتعجب من مجيء طبيبه مبكرًا، دلف صوب الباب فوجد رجل توجس من مظهره خيفة، أسود الوجه، ضخم الجثة، ويرتدي بذلة سوداء أنيقة، رمقه بنظرات ريبة وتساءل بصوتٍ واهنٍ عن هويته، فأجابه بأن طبيبه حدث له ظرف طارئ وأرسله بدلًا عنه.
أخذ يشكو له من الأمراض التي أصابته والأوجاع التي تدب في جسده وطلب منه طريقة تعيد له صحته وشبابه الضائعين، فرد عليه بأنه ليس ساحرًا كي يستطيع فعل ذلك.
صُدِم حينها فلطالما اعتقد أنه سيعيش معافى من هذه الأمراض، ولن تكون نهايته على هذا الكرسي، فأردف أن طبيبه أخبره أنه يتحسن وهناك أمل في شفائه.
أخبره ساخرًا بأن طبيبه يخدعه ليظفر بمزيد من الأموال، فحالته تزداد سوءًا ولا أمل في شفائه مطلقًا.
اعتصرت الدموع مقلتيه فلا يزال لديه أحلام كثيرة لم يحقق منها شيئًا بعد، فحاول إقناعه بكافة السبل أن الموت هو الخلاص من عذاب الوحدة والمرض اللذين لا خلاص منهما.
رن جرس الباب وذهب ناحيته، فوجد أمامه طبيبه الذي بادر بالاعتذار له على التأخير بسبب المطر، كان في حالة صدمة كبيرة جعلته عاجزًا عن التفكير.
نظر نحو الطبيب المزيف، وسأله بصوتٍ مرتفعٍ وهو يشير نحوه بإصبعه السبابة عن هويته وعلمه أنه ليس بطبيب، فأخبره أنه جاء فقط من أجل المساعدة.
نظر إليه طبيبه نظرات ريبة وأخبره بأنه لا يوجد أحد غيرهما في هذه الغرفة!
حاول السيطرة على خوفه وتساءل عن المساعدة التي سيقدمها له، فأخبره وهو يقترب منه ببطء راسمًا على وجهه ابتسامة مرعبة جعلت قلبه لا يكف عن الخفقان؛ أن أمهر الأطباء لا يستطيع أن يخلص البشر من معاناتهم وآلامهم إلا بصورة مؤقتة ولبعض الوقت فحسب، أما هو فالمخلص الذي يخلص البشر من معاناتهم وآلامهم بصورة نهائية وإلى الأبد ■