امرأة الموكوس

بصوت خشن يأمر بأمر لا يُرَد قال «الموكوس أخذه الله» كما تدعوه امرأته وتدعو عليه:
ــ كوب شاي مغلي من يديكِ الحلوتين.
بجسدها الثقيل وحوضها المنهك وعظامها الأقرب لليونة منها إلى الصلابة قامت امرأة الموكوس المشمِّرة عن ساعديها إلى المطبخ اللامعة جدرانه سوادًا إثر الدهون المتصاعدة مما يُطْهَى على البابور وجعلت تعد الشاي. 
أولاً وضعت في البراد ما يزيد عن الكوب بقليلٍ من الماء تحسبًا لما يتبخر عند الغليان، ثم عايرت الشاي بملعقة صغيرة أضفت لها سنام شاي كبير؛ فالموكوس يحبه ثقيلاً كدمه وكما يحبها. 
سمعت بكاءً خفيفًا متداخلاً قررت تجاهله إلى حين، نظرت إلى الشاي ثم بحـركة رشيقة من أصابعها الممتلئة أمالت الملعقة قليلاً واهبة إياه حق السقوط، هطلت ذراته على سطح الماء وافترشته، ثم كالرذاذ راحت ذرات الشاي تسقط رويدًا صوب قاع البراد كما تسقط حبات المطر على وجه الأرض أو النهر، وقبل أن تتخذ قاعدة البراد مستقرًا لها، فتحت امرأة الموكوس الغاز، وبعود ثقاب رخيص أشعلت نارًا تنذر بدنو الغليان، وتركت البراد دون غطاء.
ناداها زوجها أن أرضعي الطفلين كي يكفا البكاء، فاستجابت سريعًا رغم ساقيها التعبتين، وركبتيها المتآكلتين، وتركت المطبخ نازحة صوب طفليها تحمل كلاً منهما على يد، وقد تركها زوجها تثني ظهرها المتألم كي تلتقطهما من على الأرض دون مساعدة، ولم يفكر ولو للحظة بأن يمد يده الفتية إليهما رافعًا إياهما إليها، وعندما رآها تكشف عن صدرها بأطراف أناملها سانحة للطفلين اللذين انقضا عليها بشرهٍ يرضعان أخذتـــه اللحظة؛ فالموكوس يؤمن أن ربه خلق للمرأة ثدييــن في أول الزمان لسبق علمه بأن امرأته لن تُنْجِبُ إلا التوائم؛ فثمة ثدي لكل طفل. 
عادت إلى المطبخ، وكان الطريق إليه طويلاً هذه المرة رغم قصره، ولمَّا وصلت وجدت أن الشاي يوشك أن يغلي، ولم تكن تعرف طريقة تمكِّنها من وضع خمس ملاعق من السكر في كوب أثناء حمل طفلين وإرضاعهما، وشرعت قطرات العرق تكسو جبينها، وفي سريرتها تلوم نفسها على عدم وضعها السكر في الكوب مسبقًا قبل إجابة النداء، وأغفلت حقيقة أنها لو فعلت ما عرفت كيف تحبس الغاز عن البابور، ولا كيف تحمل البراد كي تصب الشاي، ولا كيف تمسك بالملعقة الصغيرة محركةً رسغها صانعة إعصارًا يدفع السكر إلى الذوبان. 
ولم تفكر أن تنادي رجلها كي يعينها، وأحسَّت أن جبينها يمطر لكثرة ما نَزَّ منه من عرق بدأ يغشي عينيها، ورأت سماء المكان وجدرانه يشعان لمعانًا لا عهد لهم به، ولمَّا عجزت عن إيجاد حلٍ لمصابها أحست بتلاشي جسدها، وسقطت كما تسقط حبات المطر على وجه الأرض أو النهر، واستحالت جثتها الضخمة ثديًا أضخم لثمته الأرض وطَفِقَتْ تمتص الحياة منه حتى ذوى، ثم جاءت رياح حملته، ونبتت محل اللثم وردة، وغلى الشاي وظلَّ يغلي.