التليفون أسلاك × أسلاك

 أنا كائن حي أسلاك في أسلاك.

          حتى وقت قريب، وإلى الآن أيضاً، لم أكن أعمل إلا لو ربطوني بالأسلاك، ووضعوا بداخلي جرسا، ولكن الآن، يمكنني أن أكون في جيب أصحابي، وفي سياراتهم، ولكن لي جرس. يدق في أي وقت.. حسب الطلب.

          لكن الشيء الوحيد الذي بقي معي، هو الأرقام. فمفتاحي هو أي رقم يبدأ من واحد.. إلى تسعة.

          طبعا اسمي في العالم كله هو "التلفون" أما اسمي العربي فهو "الهاتف". حكايتي قديمة.. بدأت عند الفيلسوف اليوناني "أرسطاطاليس" الذي توصل إلى أن الأصوات التي نسمعها تحدث بسبب اصطدامها بالهواء.. فينشر الصوت في مكان صدوره.

          وعلى مر مئات السنين، تطورت الآراء والنظريات. وانتظرت طويلا لحظة ميلادي الحقيقية التي تمت في 10 مارس 1876. أي أن عمري الآن أكثر من 120 سنة. وما زلت قادرا على التطور.

          في شهادة ميلادي يكتبون أن اسم أبي هو العالم الأمريكي "جراهام بل" "1847- 1922 ".

          وأبي "بل" لم يكن له أن ينجح في أن أولد، إلا بعد أن فهم قوانين الكهرباء. والصوت التي وضعها علماء مثل "فولت "، و" أمبير "، و" كالفن".

          لذا توصل "بل" إلى نظريته: "إذا استطعت إحداث تغييرات في شدة تيارات كهربية، مماثلة تماما للتغييرات التي تحدث في كثافة الهواء عند صدور صوت ما، فيمكن نقل الأصوات تلغرافيا"

          وطوال سنوات حاول "بل" أن ينقل صوت جرس المنبه تلغرافيا. وعندما أقام في كندا، تمكن من إرسال جملة كاملة إلى مساعده الذي كان يجلس في غرفة مجاورة.

          وفي تلك اللحظة ولدت لأول مرة.

حكايتي من أذن الإنسان

          كان جسمي عند ميلاده غريبا، غير الذي يراه الناس الآن.. ولم لا؟ فالأجسام البشرية أيضا تتغير من زمن لآخر. المهم أن التركيبة الداخلية تقوم على نفس الأسس.

          قامت فكرة أبي "بل" على أساس عمل طبلة الأذن في الإنسان، فباعتبار أن الصوت مجموعة من الموجات عالية أو منخفضة الضغط، تتحرك في الهواء أمام الأذن، فتحرك طبلة الأذن، وتؤثر هذه الحركة في عصب يتصل بالمخ، وتحس أن هناك صوتا.

          لذا، فأهم شيء في تركيبي- عند بدايتي- هو تلك الأسطوانة الصغيرة التي تحتوي على حبيبات من الكربون، تستطيع مقاومة الكهرباء. وعند توصيل الأسطوانة ببطارية كهربية يتولد تيار محدود الطاقة، فتندفع الأسطوانة للداخل ومعها حبيبات الكربون. ثم إذا اندفعت الأسطوانة للخارج تندفع حبيبات الكربون أيضا وبضعف التيار الكهربي.

          أما أهم شيء في تركيبي فهو البوق الذي إذا تكلم فيه الإنسان. ينتقل الصوت إلى الأسطوانة التي تتحرك فيها الإلكترونات وتتولد حزم كهربية تمر في أسطوانة حديدية ملفوفة بأسلاك رفيعة، حولها مغناطيس قوي.

          وتنجذب الأسطوانة نحو الخارج والداخل حسب شدة التيار بالأسطوانة وحسب نبرات الصوت في البوق وأيضا في السماعة. الخروج إلى البيوت تلك العملية تحدث في أسرع وقت ممكن.. فكل شيء يجري بسرعة، الصوت، والإلكترونات وعندما سمع "بل" صوت مساعده صرخ هاتفا:

          - يا إلهي.. لقد دخلنا عصرا جديدا.

          ولم يكن الطريق مفروشا بالزهور، كي أنمو. ويصبح لي شأن في الحياة. ففي البداية، لم تكن أجهزة مقاومة التيار بنفس الحال الذي حدث بعد ذلك.

          ويحسب لـ "بل" أنه أول من استخدم تيارا كهربيا مستمرا، تتغير شدته حسب الموجات الصوتية الساقطة على المرسل.

          وفي البداية، كان يتم توصيلي بأسلاك حديدية مع هوائي مع التليفونات وتم عمل توصيلة أرضية لرجوع التيار. ولا أنسى يوم أن تمكن العالم أديسون من اختراع الميكرفون الذي ساعد كثيرا في ارتياحي لأؤدي واجبي على أحسن ما يكون.

          وطوال سنوات طويلة كنت أشبه بالشيء المتناثر. هنا "بوق"، وهنا سماعة أذن وهنا أسلاك وهنا أسطوانة. حتى جاء العالم أديسون "1847- 1931" وجمع كل هذا في جهاز واحد. وخرجت بذلك من المعامل إلى البيوت والمؤسسات وانتشر إخوتي من التليفونات في كل أنحاء الدنيا لكل منا رقم مدون في شهادة ميلاده.

دائما في الخدمة

          لا أستطيع أن أؤدي مهمتي إلا إذا كان هناك مركز للتنسيق يسمى السنترال. إذا طلبني أحد من أي مكان، حسب رقمي، فإن السنترال يجمع المكالمة، ثم يطلبني على الفور، وتحدث المكالمة بين طرفين.

          وكل تليفونات العالم الآن مرتبطة بسنترال مركزي.

          سواء كان أصدقائي من التليفونات السلكية، التي لاتزال تعمل بالسلك مثل الموجود في البيت أو التليفونات المحمولة التى تعمل لاسلكيا.

          فما إن تطلب رقمي، حتى يعمل السنترال منسقا بيننا، هذا إذا كنت سلكيا.لكن في التليفون اللاسلكي، فإن هناك هوائيا يلتقط إشارة من يطلبني. وعند طريق السنترال أيضا وبشكل إلكتروني تنعكس الموجات نحوي.. لتطلبني.

ريم تنقذ الموقف

          حاول "تامر" يوما أن يشاكسني، وربما بدافع التعلم أو ليرى الشخص الذي يكلمه من الناحية الأخرى.. خفت عليه أن يتكهرب.. حاول أن يفهم شيئا مما يرى.

          رأى المرسل الذي يتكون من قرص معدني رقيق اسمه "الرق" وصندوقا به جسيمات كربونية وعندما تكلم "تامر" اهتز الرق. وبسرعة حدثت تغييرات فى الحبيبات الإلكترونية ثم المقاومة الكهربية القليلة لهذه الحبيبات.

          رأى "تامر" المستقبل والقطب المغناطيسي القريب منه، والذي إذا سار فيه تيار كهربي تتغير قوة جذب الرق، فيهتز. وهنا تتحول الموجات الكهربية إلى موجات صوتية حاولت أن أحدثه عن نفسي وكيف أعمل.

          لكنه لم يكن يهتم بالتعلم، قدر رغبته في اللعب. لكن عندما جاءت اخته "ريم " بدت منزعجة.

          بسرعة جمعت أجزائي المتناثرة.. وهي تردد:

          - الحمد لله.. جاءت سليمة.

          لقد خافت أن يؤذيه التيار المتغير، حتى وإن كان ضعيفا.

          أسماء جديدة.. غريبة

          على فكرة.. برغم أنني ما زلت أعمل بالسلك فإن التطورات الحديثة قد غيرت من شكلي، فقد أصبح لي رفيق يمكنه تلقي المكالمات في غياب الأستاذ محمد عرفة، اسمه "الأنسر ماشين"، وهناك صديق آخر موجود معي أيضا اسمه "الفاكس"، يستقبل الرسائل المكتوبة من كل أنحاء العالم. وأحيانا يحمل نفس رقمي.

          "فاكس".. "انسر ماشين". فعلا هي أسماء غريبة.. لكنهم أصدقاء.. وسوف يتحدثون أيضا عن أنفسهم على هذه الصفحات في مرات قادمة.!